وليت الدكتور علي الوردي أوجد له عنواناً آخر يلائم ما كتبه من سرد تاريخي وحكايات كألف ليلة وليلة لكان أدل من هذا العنوان بحيث إنه ينتقل من حكاية إلى حكاية للاستمتاع بالقصص التاريخية فقط دون إيجاد صيغة منهجية تكون دلالتها حقيقة لوعاظ السلاطين ولأدع الاستطراد حتى لا نضيع في زحمة المنعطفات كما هو الدكتور الوردي في كتابه الذي لا تعرف هل هو يتحدث عن وعاظ للسلاطين أو وعاظ الوجهاء والتجار أو وعاظ الشعب غنيهم وفقيرهم عالمهم وجاهلهم ولو كان العنوان ( إشكالية الوعاظ) لكان ذلك أكثر مطابقة، حيث إنه شامل لجميع فئات المجتمع دون استثناء طبقة عن أخرى ولعله جعله للسلاطين بحيث أراد شيئاً في النفس أو ليرضي بها أحداً ما! ولو أن هذا الباب يحتاج الحقيقة إلى طرق فوراءه ما وراءه! وعلى إني أراه في كثير من فصول الكتاب يشذ عن الوعاظ كثيراً كسرحان فكري ثم يرجع فيدون حادثة فيها وعظ حتى يذكّر القارئ أنه ما زال على وعده وعهده! وعناصر الكتاب هو بحث نفسي اجتماعي مع سرد تاريخي قديم فهو يستعرض جل الحكايات عن بدايات الإسلام ثم يزيد منها عن العصر الأموي والعباسي وبالكاد يأتي خارج هذا النطاق ويأتي على ذلك كاستشهاد على صدق النتائج كما أسلفت ولكن الدكتور الوردي في اعتماده على المصادر لا يعنّي نفسه على البحث الحقيقي العلمي ويرجع إلى الحكايات من مصادرها الأصلية بحيث يفرزها من مظانّها ويتأكد بصحتها من عدمها على أنه يتحدث عن المنهج العلمي مراراً وتكراراً ولكنه يخلط خلطاً عجيباً فيأخذ الحكايات التاريخية من مراجع حديثة يلتقطونها هم هكذا كحسو الطائر دون التثبت بصحتها فيأتي ليدلل على صدق كلامه منه على أنه في كثير من المواقع يقول (إن كان صدقاً ما يقول) وكأنه يشكك في صدقها وربما كما هم في أبحاثهم أصحاب الاجتماع والفلسفة لا يرون صدق الحكاية عنصراً مهماً بقدر إثباتها كدليل على ما يطرحه من نظرية أو سؤال يستجدي فيه الإجابة من تلك الحكاية وإن كانت خرافة ليس فيها من الحقيقة شيء يُذكر على أنه يلوم المؤرخين بأنهم لا يدرسون كل حكاية اجتماعياً ونفسياً وإنما يهتمون بالحكاية تاريخياً، لذلك هو يخضع التاريخ والفلسفة للمنهج النفسي والاجتماعي قسراً فهو يستقي قصة عن المنصور أو الرشيد وغيره من أحمد أمين أو طه حسين ويعوُل في نتيجتها عليهما دون الرجوع إلى الطبري أو اليعقوبي أو البغدادي مثلاً كمصادر أكثر ثقة وأقرب عهداً بتلك الحوادث وذا اعتقد خطأ استراتيجي من الوردي حين ينحو في كل ما استشهد به من حكايات تاريخية على هذا النحو الذي لا يعطي مصداقية حقيقية لنتائجه ناهيك عن سند صحتها وتواترها في أغلب المصادر كأقل تقدير دأب الناس في زماننا ومن قبل على الاعتقاد أن كل من يدعو للسلطان بالخير والصلاح فهو من وعاظ السلاطين سواء كان هذا السلطان صالحاً أم طالحاً فاختزال المصطلح بأن رجل الدين في هذا إنما هو أحد المتنفعين وطالبي الدنيا إنما هو ضرب من الغيب الجائر على أن الطالح أولى بالدعاء من الصالح لمصلحة الأمة وعلى أن الوردي يورد وعاظاً شهد لهم التاريخ بالصلاح والتقوى وكانوا ممن يفتون للسلطان ويقدمون له الوعظ والنصح إلا أنه يراهم قد سقطوا من العين حينما جاوروا السلطان وبذلوا له ما استطاعوا وإن خالفهم السلطان في ما يقولون أحياناً على أنهم لا يحبذون القرب ولكن مكره أخاك لا بطل كصاحب أبي حنيفة أبي يوسف وإن كان كما يعتقد الوردي فإن خطوط الرجعة لكل طالح مقطوعة بأمر الظن السيئ وعلى هذا فطريق الإصلاح مهما كانت النوايا طيبة فإنه مرفوض من قبل المجتمع بأطيافه حتى النخبة منهم.
** **
- أحمد السبيت