في كل مدينة مهما صغرت ميدان يتوسطها يعد هو قلبها النابض تقام فيه العروض الخاصة بالأعياد والمناسبات الوطنية؛ كاليوم الوطني وعيد الاستقلال، وتقام فيه المعارض الفنية والحفلات الموسيقية المفتوحة للجمهور، ويلتقي فيه المواطنون في العطل الأسبوعية والعطل الرسمية والأعياد.
وتتبارى الحكومات في إبراز الجانب الجمالي لهذه الميادين، فيكسى ببساط أخضر من العشب الطبيعي، ويزين بالنوافير الراقصة والتماثيل والأشكال الجمالية. ولهذا يجد فيه السياح - كما يجد فيه المواطنون - غايتهم لقضاء وقت ممتع بين جنباته.
وفي كثير من الميادين العالمية تحاط هذه بالمباني الرسمية، كمبنى البرلمان ومبنى مجلس الوزراء والبلدية ودار الأوبرا وغيرها.
وليست الرياض - عاصمة مملكتي الحبيبة - بدعا من هذه المدن العالمية، فقد اشتملت ساحتها المعروفة بـ (ساحة الصفاة) أو (ساحة العدل) على العديد من المعالم الأثرية والمباني الحكومية فضلا عن الإضافات المستحدثة.
يعود تاريخ الساحة إلى القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) بعد أن اتخذ الإمام تركي بن عبدالله - رحمه الله - مؤسس الدولة السعودية الثانية من الرياض عاصمة لبلاده بعد أن كانت الدرعية هي عاصمة الدولة الأولى، وفيها ابتنى الجامع الكبير الذي ما زال يعرف باسمه حتى اليوم. وأضيف للساحة مبنى (المصمك) الذي كان مسرحا لمعركة فتح الرياض على يد المظفر الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - في مطلع القرن العشرين. لكنه ظل مستودعا للسلاح والذخيرة ثم سجنا، إلى أن أعيد ترميمه وتحويله إلى متحف وطني افتتح في عام 1416/1995.
وفي جنوب الساحة يقع قصر الحكم الذي أقيم في مكان القصر التاريخي الذي أنشئ في عهد (دهام بن دواس) في حوالي عام 1160 هـ / 1747م، وقد أصبح القصر فيما بعد مقرا للإمارة والحكم في عهد الإمام تركي بن عبد الله الذي أعاد بناءه. وفي عام 1330 - في عهد الملك عبدالعزيز - أعيد بناؤه ليصبح سكنا له حتى انتقاله - رحمه الله - إلى المربع سنة 1357.
وفي تقاطع شارع الثميري بشارع الشيخ محمد بن إبراهيم وشارع الشيخ محمد بن عبدالوهاب تقف بكل شموخ الساعة التي كانت إحدى منجزات الأمير فهد الفيصل الفرحان آل سعود - أول أمين لمدينة الرياض - يوم أن بدأت العمل في يوم الاثنين التاسع والعشرين من ذي الحجة 1385هـ / 1966 وكانت في بداية عملها ساعة ناطقة، إذ كان ينبعث منها - بحلول كل ساعة - صوت أنثوي يعلن الوقت، واستبدل بالصوت الأنثوي صوت رجل بعد اعتراض نفر من المحتسبين.
كانت الأسواق تحيط بالساحة فإلى الغرب أسواق المعيقلية - التي أعادت بناءها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض - وسوق الزل الذي كان يتخذ من شرق الجامع مقرا له حتى انتقل إلى جنوب الساحة في قيصرية بنيت خصيصا له، وإلى الشرق شارع الثميري الذي ظل كما هو حتى اليوم سوقا للذهب والمصوغات. وفي هذا العام أضيف للساحة معلم ثقافي فريد ابتهج به مثقفو الرياض؛ ألا وهو قيصرية الكتاب.
كل هذه المعالم تتكامل وتتضافر لإعطاء المكان أبهته. لكن من أدرك هذه الساحة قبل تطويرها يتألم حين يرى الساعة وقد انزوت خلف المباني الحديثة التي حاصرتها حتى إنك لا تراها إلا إذا وقفت على بعد خطوات منها. هل من منقذ لها؟!
** **
- سعد عبدالله الغريبي