عبد الفتاح أبو مدين. تمتد مساحة متسعة الأفق من الهيبة والوقار عندما يرد هذا الاسم على مسامعك، فمن أي باب أردته يطل؛ فإن تحدثت عن الأدب والثقافة فهو أحد صناعها وروادها بامتياز، وإن أردت الحديث عن الصحافة فهو واحد من ألمع وأنجح قياداتها الذي أشعل (الأضواء) مبكرا فأضحى (الرائد) في هذا المجال، ومتى رغبت ضرب المثل في فن الإدارة الثقافية فستجد أبامدين ملء السمع والبصر، متسعا صدره للاختلافات متماهيا مع شتى التيارات قادرا على الوصول إلى أفضل التوازنات، ومتى أردت الحديث عن العصامية وبناء الذات فسيطل عليك (الفتى مفتاح) وقد حفر (الصخر بأظافره) فدخل في (أمواج وأثباج) متسلحا بالصبر والعزيمة ليكون. ومتى رغبت في استعراض التجارب والمواقف الحياتية فستجد (تلك الأيام) فيها من التنوع والثراء مايكفي لإرواء (ألف صفحة وصفحة) بالبياض لا السواد وإن أردت المزيد من الجمال فإن (أيام في النادي) فيها من العبر والدروس ما يصف كيف تكون (الحياة بين الكلمات) كان يؤمن في (في معترك الحياة) بالعمل الجمعي؛ فشكل مع نخبة من أعلام الأدب والثقافة والفكر فريقا نجح باقتدار في إدارة نوعية للعمل الثقافي في نادي جدة الأدبي، لقد استطاع وهو الذي لم ينل من التعليم النظامي إلا دراسته في الصف الرابع الابتدائي أن يقود هذه الكوكبة متماهيا مع أفكارها، ملبيا لتطلعاتها، ليمزج حماس الشباب بحكمة الكبار، فأوجد للتراث (جذورا) وللنقد (علامات) وللشعر (عبقره) ليرتفع صوت (الراوي) بأجمل الحكايات، وإزاء هذ النجاحات فلا غرابة أن يعبر أبو مدين عن اعتزازه بمجموعته ليقول بأعلى صوته (هؤلاء عرفت) وليسجل بهم لاحقا صورة رائدة في الوعي الثقافي عندما سجل وفريقه أول استقالة جماعية من العمل الثقافي ليفسح المجال لعطاءات جديدة تواكب المرحلة !
(الثقافة مغرم لامغنم) جملة لا يمل الشيخ رحمه الله من ترديدها ليعبر بها عن حس مسؤول يعي أن الثقافة بناء وعطاء وبذل بلا كلل رغم العناء، فزرع البصمة تلو البصمة واعتلى القمة متفردا... فرحم الله أستاذنا وشيخنا وأديبنا أبا مدين وجعل كل ما ناله من مغارم الثقافة والإعلام والحياة مغانم مستطابة في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين..
** **
- د.سعد بن سعيد الرفاعي