د. عبدالرحمن الشلاش
في أحد المطاعم كنت أقف في طابور السيارات لطلب بعض الوجبات نظام «السفري». لاحظت أن الطابور يتحرك بسرعة لم أعهدها من قبل، وكانت أمامي ست سيارات وخلال دقائق لم أشعر خلالها بالملل وجدت نفسي أقف أمام شباك الطلبات. أطل علي شاب سعودي بهي الطلعة ترتسم على وجهه ابتسامة آسرة يؤدي عمله بحماس مثير للإعجاب، قال لي بلباقة وأدب: تفضّل لأخدمك. أمليت عليه الطلبات فتحرك من مكانه بخفة ومرونة. كنت ألاحظه يتنقَّل برشاقة بين أكياس الأكل وكأنه يلبي حاجات أكثر من زبون في وقت واحد، ليس لديه استعداد لتأخير أي طلب وكأنما قد حمل على عاتقه مسؤولية تقديم صورة زاهية عن مطعمه. حين ناولني الطلبات شكرته فقال لي عفواً طال عمرك هذا واجبي رديت عليه فوراً «كلك ذوق»!
هذا الشاب ترك انطباعاً جميلاً في نفسي وأجزم أنه قد ترك ذات الانطباع في نفوس كثيرين. ليس لديه تصنّع وإنما يتعامل بتلقائية نادرة. تعامله مريح يطرد عن النفس الضجر، ويفرمل الغضب والعصبية من طول الانتظار، ولو تأخر قليلاً فإنه يبادر إلى الاعتذار. هذه النوعية من الموظفين ربما تكون قليلة فإن كان الموظف من هذه الشريحة لديه صفات فطرية منها القدرة على التحمّل والجذب والجرأة على الاعتذار فإنه أيضاً وهذا الأهم يملك ثقافة جيدة في العمل، حيث يظهر من طريقته في الأداء فلديه فهم لواجباته الوظيفية، وأسلوب رائع في التعامل، ومحافظة شديدة على وقت العمل فلا يهدره في الكلام غير المثمر أو المزاح مع الزملاء والزبائن وإضاعة الساعات في تصفح النت والثرثرة.
من ثقافة العمل فهم الموظف لحقوقه فأغلب الموظفين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص يفتقدون المعرفة بأبسط قواعد العمل، ويملكون ثقافة فقيرة عن حقوقهم والواجبات المطلوبة منهم.
للأسف تقصِّر مؤسسات كثيرة في تدريب وتثقيف موظفيها، بل ربما تدفع بهم للعمل بعد توقيعهم العقد مباشرة أو صدور قرار التعيين خلاف ما يحدث في بلدان متقدِّمة تحرص الشركات هناك على ظهور موظفيها بأفضل صورة حرصاً على الجودة والسمعة الحسنة عند العملاء لذلك نجد كثيراً من أمثال الموظفين قليلي الخبرة ومتواضعي التعامل في بعض الدوائر والمحلات التجارية والمعارض ونفسياتهم في الحضيض، وقد يتسبب تعاملهم الفظ في هجر الزبائن للأماكن التي يعملون بها. أذكر في إحدى المرات أنني ألغيت حسابي في أحد البنوك بسبب التعامل غير الموفق من الموظف، وقبل سنة نشبت ملاسنة حادة أمامي بين موظف سعودي في محل تجاري وأحد الزبائن، وكان بإمكان الموظف امتصاص غضب الزبون.
الفقر المهاري والثقافي لبعض الموظفين السعوديين، وعدم إجادتهم فنون التعامل جعل كثيراً من أصحاب العمل يستغنون عنهم وهو مؤشر غير جيد يجب التنبه له بتثقيف هؤلاء الموظفين وتدريبهم؛ لأن الاستغناء عن أبناء الوطن أكثر خطورة، فيكفي أنه يزيد من أرقام البطالة.