سهوب بغدادي
عباس محمود العقاد أديب ومفكر وصحفي وشاعر مصري، ولد في أسوان عام 1889، وهو عضو سابق في مجلس النواب المصري، وعضو في مجمع اللغة العربية، ويعد العقاد أحد أهم كتاب القرن العشرين في مصر والعالم العربي بشكل عام، كانت كتاباته تغطي ألوان واسعة وأطياف مختلفة على سبيل المثال، الشعر والنقد الإسلامي والتاريخي والفلسفة والسياسة والسيرة والعلوم والأدب العربي. في هذا النسق، برزت له العديد من المؤلفات الكلاسيكية التي لاتزال تتصدر أرفف المكتبات وتصنف ضمن أكثر المؤلفات مبيعا. لا أنفي أو أنكر افتتاني بلغته الأنيقة وطرحه غير المعتاد وفلسفته المحفزة للتفكر، إلا أنني خلال قراءة إنتاجه الأدبي أصاب -بالكتمة- والضيق دون معرفة السبب. في الآونة الأخيرة، وقعت يداي على مؤلف استقلال المرأة في الإسلام للكاتب الغزالي حرب، ومن هنا، علمت سبب انقباض حواسي من مؤلفاته وأخص منها هذه المؤلفات، «المرأة في القرآن» و»الإنسان في القرآن» و»عبقرية محمد» و»الفلسفة القرآنية» حيث لم أجد في توصيفه وشروحاته المفصلة سوى إتيان بعض الإسرائيليات الجاذبة للعقول المهمشة، كما اعتمد على وصف المرأة وإنزالها منزل الحيوانات -أجلكم الله- فكيف بكاتب وأديب ومفكر بأن ينتقص مما كرم شأنه الله تعالى؟ فيما أورد مرارا بأن حواء السبب الرئيس في إغواء آدم عليه السلام وإخراجه من الجنة ونعيمها، غافلا بذلك دور الشيطان الرجيم في ذلك في إغوائهما معا وذلك ما أتى في محكم كتابه جل في علاه: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (سورة البقرة: الآية 36) فالآية واضحة وصريحة، في هذا النطاق، نستطيع التفكر في إعراب الآية الكريمة للتأكد من دور آدم وحواء والشيطان.
فالفاء استئنافيّة (أزلّ) و(هما) ضمير متّصل في محل نصب مفعول به (الشيطان) فاعل مرفوع (عن) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أزلّهما)، الفاء عاطفة (أخرجهما) مثل أزلّهما (من) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محل جرّ بـ (من) متعلّق بأخرجهما. يتبين لنا من تكرار الألفاظ المرتبطة بأداة العطف أن الذنب تم ارتكابه بالتساوي من آدم وحواء دونما أفضلية أو أولوية جنس على آخر.
من هنا، يظهر لنا أهمية الوعي الفكري والمقارنة وإرجاع النصوص إلى أصلها وتفسيرها الصحيح، فيما يأتي في طليعة بنود الوعي الفكري معرفة خلفية الكاتب وثقافته واختصاصه. إن العقاد على سبيل المثال لم يكن عالما في الدين أو مفسرا للقرآن الكريم فكيف به أن يسهب كل هذا الإسهاب في مؤلفاته عن القرآن والسنة واعتداد الإسقاطات على المرأة والإنسان بشكل لافت؟ في حين، تتجلى ظاهرة التأطير للأجندات كما فعل كاتبنا السابق ذكره، فيلبس أفكاره الخارجة وشاح الدين أو ما شابه وهذا ما يحدث في عصرنا الحالي ببروز العديد من المؤثرين والدخلاء في شتى المجالات دون حصر، فالتحقق والتأكد وإرجاء المعلومات إلى أصلها مع ترجيح العقل والفكر في الخطاب الموجه لكيلا نقع رهينة لتسطيح الأفكار والعقول.
(ليس كل ما يلمع ذهبا)