محمد آل الشيخ
عبارة (الدم ينتصر على السيف) التي عنونت بها مقالي هذا من العبارات المتداولة في التراث الشيعي الموروث، إشارة إلى انتصار دم الحسين بن علي -رضي الله عنه- على من قتلوه وتأسيس المذهب الشيعي، وجعلوه شهيدًا حيًا عند أتباع الشيعة إلى يومنا هذا.
والسؤال الذي يثيره السياق هنا: لماذا لم يتعظ سفاحو وقتلة الميليشيات الإيرانية في عملياتهم القمعية في العراق وكذلك قمعهم للتظاهرات الشعبية التي اجتاحت أخيرًا كل الأراضي الإيرانية؟ وبالقياس نفسه يمكن القول: إن دم ثوار العراق وإيران ستؤسس لتوجه جديد مثلما أنشأ دم الحسين مذهباً جديداً. غير أن مثل هذه المقولات وغيرها من العبارات التي ترسخ المظلومية في المأثور الشيعي لا تعدو أن تكون سوى عبارات معدة للتصدير، وليس للاستخدام المحلي، فقد أثبتت دولة ملالي الفرس أنهم لا يترددون لوهلة في قمع المتمردين على مرجعياتهم بمنتهى الشراسة ودون أي اكتراث بالعواقب، فالدم دائماً وأبداً ينتصر على السيف والشدة في المحصلة، وما يجري الآن في عراق البطولة والشجاعة والإباء يعيد إحياء هذه المقولة ولكن من منطلقات مختلفة، تتجسد على أرض الواقع؛ ويبدو أن ثمة معادلة تقول: يتزايد التحدي والإصرار في ثورات الشعوب كلما جوبهت هذه الثورات بالقسوة وإراقة الدماء، فمثلاً خلال الثورة الجزائرية التي انتصرت في القرن الماضي حاول المحتل الفرنسي توظيف القمع والقوة العسكرية وإراقة الدماء بقسوة وبشاعة غير مسبوقة لإخماد ثورة الجزائريين، لكنه باء بالفشل؛ لذلك فليس لدي أدنى شك أن مصير العراقيين الثوار في نهاية المطاف هو طرد المحتل الفارسي البغيض، فمن يتابع ثورة العراقيين الأبطال سيلحظ بوضوح أن نضالهم يتصاعد كلما زادت قسوة ودموية الميليشيات التابعة للعدو الفارسي.
وكراهية التسلط الإيراني هي الآن في العراق تحظى بشبه إجماع شعبي غير مسبوق، فمن يتابع هاشتاقات تويتر سيجد أن ما يربو على 90 % من التغريدات تندد بالاحتلال الفارسي وتدعم الثورة، وبعضهم يكتبون بأسمائهم الصريحة، ما يجعل أي مراقب منصف ملاحظة أن الأغلبية الكاسحة مع الثوار، مقابل قلة قليلة تناصر الإيرانيين من أذنابهم العراقيين.
وما يحصل في لبنان - أيضاً - أُرجح أنه سينتهي إلى ما انتهى إليه العراقيون، مهما حاولت ميليشيات حزب الله وحركة أمل تركيعهم بالقوة وبالسلاح، فليس لدي أدنى شك أنهم سيفشلون، لا سيما وأن مشكلة لبنان أنه فعلاً على حافة الإفلاس، إذا لم يكن مفلساً بالفعل الآن.
ورغم الدماء والقتل والقسوة التي يواجه بها المتظاهرون في العراق ولبنان، إلا أنها ستكشف للعالم أن الإسلام السياسي، سواء كان شيعيًا أو سنيًا، لن يصل بالشعوب إلا للفساد والفقر والعوز وإراقة الدماء وتغييب الأمن والاستقرار. لقد رأينا فشل الإسلام السياسي في مصر والسودان وطالبان في أفغانستان، وها نحن نراه بنسخته الشيعية في العراق ولبنان وإيران، وأنا على ثقة أن الإسلام السياسي في إيران سينتهي إلى المآل نفسه، قد يقاوم سنوات، إلا أن مصيره السقوط الحتمي.
إلى اللقاء