فهد بن جليد
حدثتكم سابقاً عن واحدة من أشهر الحيل التسويقية التي تمت في أمريكا عام 98م، عندما نشرت صحيفة USA TODAY إعلاناً لسلسة المطاعم العالمية (برجر كنج) عن تقديم ساندويتشات للأمريكيين (العُسر)، أي من يستخدمون يدهم اليُسرى، وأنَّه لن يختلف عن الساندويتش العادي كثيراً، سوى في وضع مكوناته عكس 180 درجة من اليسار إلى اليمين، حتى يتمكن الأعسر من أكل الساندويتش بطريقة ألذ. فضول الناس قادهم للاصطفاف طوابير على فروع المطعم، من أجل تجربة هذا الساندويتش ولكنَّهم اكتشفوا أنَّها مجرَّد (كذبة إبريل) للفت الانتباه. في حياتنا اليومية نتعرض لأنواع مختلفة من الكذب منها المباشر من الأشخاص الذين نتعامل أو نعيش معهم، وكذب آخر تُمارسه علينا الشركات والمؤسسات ووسائل الإعلام والإعلان والتواصل الاجتماعي. تتعدد أنواع الكذب ومصادره وأشكاله، والأخطر دائماً أن يكذب الإنسان على نفسه وعلى مجتمعه دون أن يشعر، وهو ما يحدث اليوم مع بعض مشاهير التواصل الاجتماعي الذين لم يعودوا بحاجة إلى حيل شهر إبريل حتى يقدموا مثل هذا النوع من الإعلانات الرخيصة.
المثل أعلاه في العنوان قد ينطبق في (معناه) على من يتجاوزون واقعهم وحدودهم من بعض مشاهير التواصل الاجتماعي من المتطاولين على المجتمع، بالتنظير والافتراء حول قضاياه، مُتقمصين شخصية الناصح أو المثالي والمحلل والمتخصص والمختصين، دون أن يملكوا أدنى مؤهلات أو مقومات المناقشة أو طرح الرأي المبني على التخصص أو التأهيل أو التجربة، عدا تلك (الشهرة) التي أفقدتهم التحكم بأحاديثهم، ومعرفة حجمهم الطبيعي، الذي تجاوزوه عندما أغرتهم كثرة المشاهدات ليفعلوا أي شيء ويقدموا أي عمل مُثير، فآخر اهتمام بعضهم أثر ما يقومون به - إن كانوا يعون ذلك أصلاً - فهم ينظرون للأضواء كحلم وحاجة يومية، وآخر طموحهم أن يبقوا متصدرين ترند تويتر (كإنجاز شخصي أناني)، وبعدها يمكن التراجع عن أي رأي أو خطأ بعد تحقيق مكاسب الشهرة والأضواء دون التنظر إلى حجم الخسائر والمشكلات التي خلفها في البيوت والمجتمع.
هذه العقلية العقيمة في التفكير مردها للتراخي في تطبيق النظام الصارم بحق كل من يخطئ أو يتجاوز النظام، إضافة في الاستمرار بالمتابعة، وهو دور المجتمع الذي يجب أن يسقط هؤلاء الفاشلين والفارغين، الذين أغراهم الكسب السريع والثراء الفاحش -اللهم لا حسد- لتجاوز محيطهم الطبيعي، نتيجة إيراداتهم وإعلاناتهم التي لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة أو المتابعة المالية أو حتى التسعيرة السوقية المتفق عليها، وهو ما يجعلها سوقاً عشوائية تحتاج إلى تنظيم وضبط، فليس من المعقول أن تصل إعلانات بعض هؤلاء إلى مبالغ تنافس إعلانات القنوات الفضائية سابقاً لبضع ثوانٍ أو دقائق، كثير من مشاهير التواصل الاجتماعي تحولوا إلى مسوِّقين ماديين مستعدين لتقديم أي محتوى إعلاني مهما كانت مصداقيته متدنية، والأكثر ألماً هو تجاوزهم وقفزهم وتجريحهم للمجتمع وبعض فئاته، فلم يعودوا قادرين على التفريق بين الإعلانات الكاذبة والآراء الخاطئة. شهرة وسائل التواصل الاجتماعي تساوي بين المهرج والراقص والخارج عن النص، فلا مؤهلات ولا قواعد حقيقة، ولا حتى هواية يمكن تنميتها، ففاقد الشيء لا يعطيه على طريقة المثل أعلاه.
وعلى دروب الخير نلتقي.