اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
أجل، سعيدة هي السعودية، بل أسعد بلاد على وجه البسيطة؛ إذ اختارها الله سبحانه وتعالى موضعاً لبيته العتيق، أول بيت وُضع للناس في الأرض؛ واصطفى منها آخر أنبيائه ورسله إلى الناس كافة، وجعل مثواه فيها.. فأي سعادة أعظم من هذا؟! فللَّه الحمد والمنَّة.
وسعيدة هي السعودية لأن الله تعالى استجاب دعوة نبيه إبراهيم عليه السلام؛ فجعل هذا البلد آمناً، ورزق أهله من الثمرات، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليه زرافات ووحداناً من كل فج عميق لأداء الحج والعمرة، والزيارة والسلام على سيد الأنام، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
فلا أحد في الدنيا يعرف اليوم بلاداً أكثر أمناً من بلاد الحرمين الشريفين، ولا أحد في العالم يعرف اليوم بلاداً رزقها أوسع من رزق بلادنا، وخيرها أوفر من خير بلادنا وأغزر، بفضل الله سبحانه وتعالى.
وسعيدة هي السعودية لأن الله -عزَّ وجلَّ- قيّض لها قيادة حكيمة واعية، صادقة مخلصة، مدركة لعظمة رسالة بلادها وأهميتها من رعاية للحرمين الشريفين، وخدمة لضيوف الرحمن، وتيسير للحج والعمرة؛ فأمّنت البلاد حتى أصبح السائر فيها من الشام إلى اليمن لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه. وأولت الدولة خلال عصورها الذهبية المتلاحقة عناية فائقة بالحرمين الشريفين والأماكن المقدسة من توسعة وتهيئة للطرق والجسور والأنفاق، وتوفير لكل الخدمات اللوجستية الضرورية التي جعلت من الحج والعمرة والزيارة اليوم في هذا العهد الزاهر رحلة ممتعة (سبعة نجوم) - كما يقولون - بكمال الراحة والمتعة، فضلاً عن الرعاية الصحية المتقدمة الفريدة، التي أدهشت جهابذة مسؤولي منظمة الصحة العالمية وكبار منظّريها.
وسعيدة هي السعودية لأن قيادتها منذ تأسيسها في فجر الخامس من شوال عام 1319هـ، الموافق الخامس عشر من يناير عام 1902م، على يد المؤسس الباني والد الجميع الملك عبد العزيز آل سعود -طيَّب الله ثراه-، جعلت المواطن السعودي محور اهتمامها؛ فعملت بجد ليل نهار من أجل خدمته، وتوفير حياة كريمة له، وحفظ أمنه واستقراره، فضلاً عن الاهتمام برعايا أكثر من مائة دولة من مختلف قارات العالم، وفدوا إليها للعمل طلباً للرزق.
وسعيدة هي السعودية لأنها أصبحت اليوم في هذا العهد الزاهر بقيادة والدنا سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ودعم ولي عهدنا الأمين أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حفظهما الله ورعاهما، دولة كبيرة رائدة، لا يشق لها غبار، ذات ثقل اقتصادي وسياسي واستراتيجي، لا يمكن تجاوزه في المنطقة والعالم؛ وهو ما جعل كبار قادة العالم يشدون إليها الرحال من وراء البحار طلباً للدعم والمؤازرة والرأي السديد.
أجل، سعيدة هي السعودية؛ لأنها فاجأت العالم اليوم في عهدها الزاهر هذا بما حققته من إنجازات مدهشة في المجالات كافة؛ فأصبحت قوة لا تقهر، واحتلت مكانة اقتصادية وقدرة مالية متقدمة بين أقوى دول العالم في هذا المجال؛ لتستضيف العام القادم قمة العشرين الكبار لأول مرة في تاريخها في رياض العز والمجد تأكيداً لثقة العالم فيها، واحتراماً لقدراتها وإمكاناتها الاقتصادية والمالية والسياسية والاستراتيجية.. وتأكيداً لهذا أعلن اليوم أخي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من أبو ظبي: «السعودية تلتزم في رئاستها مجموعة العشرين بمواصلة العمل الذي انطلق من أوساكا».
لقد حققت السعودية هذا كله، وغيره كثير مما يصعب حصره، إن لم يكن يستحيل، بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم نتيجة عزيمة القيادة القوية التي لا تضعف أو تلين، وإدارتها الذكية، ونيتها الصادقة، وعملها الدءوب، وتنزيلها لرؤيتنا الطموحة (2030)، التي هندسها ولي عهدنا الأمين، من الورق إلى أرض الواقع؛ فآتت كثير من برامجها أُكلها حتى قبل الموعد الذي تم تحديده لها، ولاسيَّما فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل، وطرح أسهم (أرامكو)، أكبر شركة للزيت في العالم، للاكتتاب العام للأفراد والمؤسسات، في خطوة أذهلت جهابذة الاقتصاد وخبراءه الماليين، كما أخرست أبواق الحاقدين المخذلين، أصحاب الهمم الوضيعة، فضلاً عن توسيع مشاركة المرأة التي أصبحت سفيرة لأول مرة في التاريخ في أعظم دولة في العالم، تأكيداً على ثقة القيادة الرشيدة في قدراتها وذكائها، واستعدادها للعمل في خدمة بلادها؛ لإتاحة الفرصة لها للإسهام في تنمية البلاد كتفاً بكتف مع شقيقها الرجل، إلى جانب دخول عتبة الصناعات الثقيلة من أوسع أبوابها.
وسعيدة هي السعودية لأنها حققت هذا كله في الداخل في هذا العهد الميمون الزاهر دون أن تتخلى عن دورها الرائد في دعم العمل الخيري والإغاثي في كل دول العالم، خاصة الدول الإسلامية والعربية والدول الصديقة، إلى جانب دعمها السخي لدول العالم أجمع في مكافحة الإرهاب والتطرف الأعمى الذي عاث في الدنيا فساداً؛ فحوَّل كثيراً من دول العالم الثالث، ولاسيَّما الدول العربية - للأسف الشديد - إلى فوضى عارمة؛ ليجعل منها دولاً فاشلة عاجزة حتى عن إطعام شعبها رغيف الخبز، فضلاً عن تحقيق التنمية والرفاهية.. والحقيقة القائمة طويلة.
وبلغ الجهل بالإرهابيين المتطرفين المأجورين، والغرور، درجة التفكير في التحرش بأرض الحرمين واستهدافها عن طريق استغلال عملاء أنذال، ظنًّا منهم أنها لقمة سائغة. وما علم أولئك السُّذَّج أنه دون ذرة رمل من ثرانا الطاهر، المهج والأرواح. فانبرى لهم أسود الشرى، وحاصروهم في أوكارهم، ولقّنوهم درساً لن ينسوه؛ فندموا على فعلتهم الشنيعة التي تقشعر لها الأبدان في استهداف أرض الحرمين، وتبرؤوا من كبيرهم (إيران) الذي زجَّ بهم في أتون لهيب لا قِبل لهم به.
أجل، سعيدة هي السعودية؛ لأن حادي ركبنا اليوم هو سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، سلطان الإدارة، ومستودع تاريخنا، وحارس إرثنا الحضاري، وخبير القيادة الذي لا يشق له غبار.
ولا يسعنا ونحن نحتفي اليوم بالذكرى الخامسة لبيعته المباركة إلا أن نجدد لمقامه السامي الكريم العهد بالطاعة في المنشط والمكره، والوفاء إلى الأبد بأن نكون سلماً لمن سالمه، وسُمَّاً زعافاً لمن خاصمه وعاداه.. مبتهلين إلى الله العلي القدير أن يمد لنا في عمره، ويمتعنا بوجوده بيننا، خيمة كبيرة راكزة شامخة قوية، تظلل كل السعوديات والسعوديين في ربوع بلادي الواسعة، وتغدق عليهم الخير الوفير، وتحميهم من عاديات الدهر ومكر الأشرار.
فاللهم لك الحمد والشكر والثناء الحسن، ونسألك يا الله بكل اسم هو لك أن تجعلنا جميعاً سعداء في الدار الآخرة، مثلما جعلتنا سعداء في الدنيا، وهيأت لنا بلاداً عزيزة غالية، هي أسعد بقاع الأرض.