أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أصعب القرارات التي تتخذها أو تزمع على البت فيها تلك التي تخص أبناءك، أحب الناس إليك، من تتمنى من كل قلبك أن يكونون مثلك بل أفضل منك، تعتقد أنهم رأس مالك الحقيقي، ولذلك كثيراً ما تتردد في البت بكل قرار مفصلي يخصهم سواء في حياتهم العلمية أو العملية أو الأسرية أو المالية، تستشير، تستخير، تخاف من أن ما قطعت عليه سيكون - لا سمح الله - سبباً في تعبهم وربما تعاستهم في مستقبل حياتهم. تتصارع في داخلك العاطفية والعقلانية، وربما هُزمت جراء محبتك الزائدة التي نحت بك للعاطفة الجارفة فدفعتك لاتخاذ قرارات خاطئة ربما أسعدتهم سعادة وقتية ثم كانت العواقب مؤلمة محزنة للأسف الشديد. وعلى هذا فإن هناك البعض من أبناء الأمس آباء اليوم من يحمّلون آبائهم مسئولية إخفاقهم في دروب الحياة المختلفة. في المقابل هناك من اتخذ قراره العقلي المدروس بعد أن فكر فيه وتأمل وقد يكون حينها أغضب من حوله ولكن كانت العواقب والنتائج مفرحة مسعدة للأبد، يتماثل مع هذا ويتشابه بصورة أو بأخرى حال القادة مع شعوبهم، بل يتماهى معه ويتقارب حال المملكة العربية السعودية مع بقية دول المنطقة بل والعالم العربي والأمة الإسلامية جمعاء، لما لهذه البلاد المباركة من ثقل عالمي وخبرة ودراية بإدارة الأزمات، ولما يتمتع به قادتها - خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي عهده الأمين - من حنكة وحكمة وحزم وعزم.
لقد اتخذت المملكة العربية السعودية قرارات قوية، وكان لها مواقف واضحة من قضايا عالمية وعربية وخليجية ربما لم تعجب البعض الذين كانت العاطفة الآنية تدغدغ مشاعرهم وتؤثر في قراراتهم وترسم توجهاتهم، وما هي إلا سنوات معدودة حتى اتضح للكل بُعد نظر قادة بلادنا، وثاقب رؤيتهم، وعمق تحليلهم، وحرصهم الشديد على بيتهم الخليجي وشعوب المنطقة، والقارئ للأحداث، والمتفحص في المواقف، والمستشرف لقادم الأيام العارف بسنن الله في التاريخ المطلع على صفحات الماضي والخبير بحال الحاضر سيدرك جزماً أن المملكة العربية السعودية قد تضحي بمصالحها الخاصة من أجل الدفاع عن قضايا عربية ساخنة فضلاً عن كونها ذات مساس بالبيت الخليجي، وما جاء في ثنايا كلمة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في القمة الأربعين يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة الرياض إلا شاهد جديد وبرهان أكيد على ما ورد أعلاه ومن أراد المزيد فليقرأ في وثائق مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والمؤتمرات الدولية ذات الصبغة السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية أو ما له علاقة بحقوق الإنسان أيا كان موطنه ومهما كانت ديانته ومذهبه، ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء والسلام.