د. حمزة السالم
المنهج أو المدرسة الفكرية، عادة ما تتكون من أفكار وقيم ثانوية، تقع كلها تحت مظلة الحجة المنطقية التي قامت عليها الفكرة الأساسية للمدرسة.
ففي المدارس الدينية، مثلاً، نرى تغليب العقل مطلقاً هو منهج الاعتزال. بينما نرى الاعتماد على النقل مطلقاً هو منهج السلفية. كما نرى أن الأخذ بظاهر النص مجرداً، هو منهج فكر الظاهرية. وفي المدارس السياسية مثل آخر، فالمحافظ هو اليميني الذي يتبع منهج التشدد مطلقاً في اتباع أصول القومية التي قامت عليها بلاده في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعكسه الليبرالي وهو اليساري.
والأذكياء والمستقلون فكرياً والمتحررون من التبعية لا تجدهم ينتمون إلى منهج معين، بينما يتبعون الحجة المنطقية أينما كانت.
فمثلاً، ومن أجل الإيضاح، قد يُقال مثلاً لوصف فكر شخص ما: هو سلفي النزعة معتزلي الفقه إخونجي الهوى صوفي القلب لبيرالي الفكر.
فسلفي النزعة تعني أنه يتبع الدليل من الكتاب والسنة، فإذا كان هو كذلك لكنه خُصص بأنه معتزلي الفقه، فيعني أنه يحكم العقل بطرق فلسفية معقدة في فهم النصوص الشرعية التي يستدل بها، حتى قد يعطلها عن معناها إذا لم تتفق مع رأيه العقلي عند التطبيق. فمتى أضيف له أنه «إخونجي الهوى»، فهذا يعني أنه يتبنى الإسلام السياسي. ومنهجه هو. نزوله منزلة بين مهادنة السلفية والمعتزلة للأمراء من جهة، ومنزلة العنف والخروج والقتال عند الخوارج من الجهة الأخرى. فإذا أضيف تصنيفه بأنه صوفي القلب، فيعني أنه قد يخالف اعتزالية فقهه العقلية ويخالف سلفيته النقلية، عند الرقائق والروحانيات فهو يستشهد بالموضوع والضعيف والمحال عقلاً، إذا ما تلبس لباس الزهد. فإذا أضيف إلى ذلك كله بأنه ليبرالي الفكر، فهذا يعني أنه يميل إلى الحرية الفكرية والاجتماعية والسياسية سواء أوافقت آراءه أم خالفتها.
وشاهد المثال السابق، أمران اثنان: الأول: أن التصنيف إيجاز للكلام البيان والوضوح، فلا يُصرف التصنيف على الذم ولا المدح.
والأمر الثاني: أن المُلتزم التزاماً كاملاً بمدرسة ما أو منهج فكري، لا يحيد عنه في كل المواضيع الفكرية، فإنما هو مجرد مقلِّد تابع، المُتنقِّل بين المناهج الفكرية في داخل موضوع واحد من مواضيع الحياة الفكرية (كأن يكون مثلاً في باب الفقه سلفياً تارة ومعتزلياً أخرى وظاهرياً في هذه المسألة وصوفياً في تلك ليبرالياً هنا محافظاً هناك)، فهذا في الواقع لا عقل له يعقله، بمنطق تفكيري.
ومن لا منطق لفكره فلا يُمكن مناظرته. لذا إلزام المناظر بمنهجه الفكري هو أساس مُنطلق المخالف لبناء الحجة عليه. فاختلاف المنطق الفكري في الاستدلال والاستنباط في جزئية معينة، هو دليل على بطلان الحجة أو ما يوصف بالجدل البيزنطي.
لذا فتصنيف المناظر قبل المناظرة، يختزل زمن دراسة فكره، مع توفير غزارة معلوماتية عن منطقيته وطريقة تسبيبه الأسباب واستنباطه للنتائج.