سليمان الجاسر الحربش
في أحد شوارع الحي الأول الرئيسية في مدينة فيينا وقبل أن تصل إلى الدائري الجنوبي الشرقي يستوقفك علم زاهية ألوانه، لا تخطئه العين، إنه مبنى بعثة مجلس التعاون لدول الخليج العربية لدى الأمم المتحدة، عندما ترفع رأسك لمشاهدة العلم تنسى نفسك ويظل راسك مرفوعاً وأنت تستعرض مسيرة هذه الأسرة ولسان حالك يدعو المولى -عز وجل- أن يوفق قادتنا لما فيه خير شعوبهم.
في الجهة المقابلة لمبنى المجلس يقع مبنيان أحدهما للاتحاد الأوربي والثاني لمنظمة أوبك مصادفة جميلة بلا شك.
تشرفت يوم الثلاثاء 3-12-2019م بزيارة مبنى المجلس بدعوة كريمة من السفير الصديق محمد الغيلاني.
استقبلني على الباب الأخ الأديب/ عبدالله الحارثي مدير مكتبه الذي خفف من وعثاء السفر عبر سلالم المبنى التاريخي بتلاوة قصيدة كعب بن زهير (بانت سعاد)، كان يعرف من لقاء سابق شغفي بالأدب والشعر.
استقبلني أبو نوح الأخ محمد الغيلاني بالترحاب في مكتبه الجميل الذي تزينه أعلام الدول الأعضاء وأخذني في جولة عبر دهاليز القسم الذي يضم مكاتب المجلس وهو مطرز بقطع من تراث الدول الأعضاء، ثم ألفيت نفسي أكتب كلمة شكر له ولصحبه. لم أنس أن أسجل فيها ذكرياتي مع المجلس فقد شهدت ولادته وحضرت العديد من لقاءات لجنة البترول الوزارية.
وخلال الفترة 1985م- 1987م عملت عن كثب مع أمانة المجلس رئيساً لفريق الطاقة المكون من ممثلين من دول المجلس للتفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان برئاسة المرحوم مأمون كردي من وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية.
استعرضت مع أبي نوح تجربتي هذه مع المجلس لكنه أصر على حديث آخر عن وجودي في فيينا وما قدمته على حد قوله من خدمات لقضايا التنمية ومحاربة الفقر والجوع من خلال إدارتي لصندوق أوبك للتنمية الدولية OFID 2018- 2003.
الحديث مع الأخ محمد الغيلاني لا يمل فهو دبلوماسي ملم بخبايا الدبلوماسية في فيينا وعلى درجة كبيرة من المعرفة وحماسيته لعمله ومساهمته الخليجية تدعو للإعجاب. خرجت من مبنى المجلس بنسخة من أهم إصدارات المجلس وهي الطبعة العاشرة من المسيرة والإنجاز وهو كتاب أتمنى أن يكون ضمن النشاط اللا صّفي في مدارس الدول الأعضاء في المرحلة الثانوية. يضم الكتاب خمسة أبواب يتناول الأول إنجازات المجلس في مجالات السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية والإعلام أما الباب الثاني فهو مخصص لشرح مختلف جوانب التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول المجلس بدءًا بمنطقة التجارة الحرة ثم مروراً بالاتحاد الجمركي وتأسيس السوق الخليجية المشتركة سعياً نحو تحقيق فكرة المواطنة الخليجية، وتضم الفصول الأخرى مجالات التكامل الاقتصادي الأخرى والبيئة والعمل المشترك والمجال القانوني والقضائي والعلاقات مع الدول والمجموعات الأخرى.
يقول البعض إنه باستثناء ما حققه المجلس في المجال الاقتصادي ودرع الجزيرة فإن بقية الإنجازات لا تتعدى الطبيعة الاستشارية وأقول ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولهذا راودتني فكرة أن يقرأه الجيل الصاعد في المدارس لعل في أفكارهم البكر ما يذلل بعض الصعاب التي تعترض تنفيذ بعض الأفكار والآمال.
خرجت من مقر المجلس يصحبني أبو نوح ومدير مكتبه الأخ عبدالله الحارثي ويبدو أن الأخير قرر أن يتحداني وقد أفلح، فقد لاحظ أنني أحفظ بعض أبيات قصيدة البردة فقرر أن يفاجئني ونحن نهبط سلالم المبنى بقصيدة الأصمعي:
صوت صفير البلبل
هيج قلبي الثمل
كان يحفظها عن ظهر قلب، أنساني صفير بلبله صفير الريح خارج المبنى وهي تداعب العلم بألوانه الزاهية.