د. أحمد الفراج
تحدثت في مقالات ماضية عن بعض المفارقات والطرائف، حول الساسة الذين تسنموا رئاسة أمريكا، ولا شك أن أكبر المفارقات كان بطلها الرئيس، وليام هاريسون، والذي انتخب رئيساً، في عام 1841، ثم توفي بعد اثنين وثلاثين يوماً فقط! من بدء مهامه الرئاسية!، وجدير بالذكر أنه يعتبر أكبر رؤساء أمريكا عمراً، عند فوزه بالرئاسة، في عمر الثامنة والستين، وهو الرقم الذي كسره الرئيس، رونالد ريجان، ثم كسر الرئيس، دونالد ترمب، رقم الإثنين، وكان هاريسون قائداً عسكرياً فذاً، ساهم في تأسيس أمريكا في بداياتها، كما كان والده سياسياً وإقطاعياً معروفاً، إذ إن أمريكا تأسست على يد مجموعة من المزارعين الإقطاعيين، والساسة المثقفين، في ذات الوقت، مثل جورج واشنطن، وجون آدمز، وتوماس جيفرسون، وغيرهم، وإضافة لقدراته العسكرية، فقد انتخب حاكماً لولاية انديانا، ثم عضواً في مجلس النواب، ثم مجلس الشيوخ، عن ولاية أوهايو، ثم انتخب رئيساً، بعد أن تقاعد، واعتزل في مزرعته الخاصة.
بعدما انتخب هاريسون رئيساً لأمريكا وألقى القسم، خطب خطبة طويلة جداً، بلغت أكثر من ثمانية آلاف وخمسمائة كلمة، واستغرق إلقاؤها أكثر من ساعتين، وتعتبر أطول خطبة تنصيب رئاسي في تاريخ أمريكا، ومع أن الأجواء كانت ممطرة، وباردة، في واشنطن دي سي، إلا أنه لم يلبس معطفاً، ولا أي ملابس ثقيلة، ثم زاد على ذلك بأن رفض ركوب العربة المعدة له، وهي عربة مغطاة، تجرها الأحصنة، وأصر على السير في شوارع واشنطن على ظهر حصان، إذ كان فخوراً بتاريخه العسكري، وحضر ثلاث حفلات، وهذه الحفلات تعتبر تقليداً أمريكياً راسخاً، تنظمها اللجنة المسؤولة عن حفلة التنصيب الرئاسي، ولا تزال قائمة حتى اليوم، ولعلكم تذكرون حفلة تنصيب الرئيس دونالد ترمب، والتي نقلتها الشاشات العالمية، على مدى ساعات طويلة، وجرت العادة أن يمر الرئيس المنتخب وزوجته، ونائب الرئيس وزوجته، على كل هذه الحفلات، والتي يحييها في العادة كبار الفنانين الأمريكيين، والعالميين.
بعد انتهاء حفل التنصيب للرئيس وليام هاريسون، وما صاحبه مما سبق ذكره، شعر بوعكة صحية، ولم يأخذها الأطباء بجدية، إذ شخصت على أنها نزلة برد عادية. هذا، ولكن الأمر تفاقم، كنتيجة لضغط برنامج العمل للرئيس الجديد، ثم تطور المرض إلى التهاب رئوي حاد، وبعد أيام، دخل الرئيس في مرحلة الخطر، وبدأ بالهذيان، وبذل أطباؤه كل جهد ممكن، في استخدام الاستراتيجيات الطبية المتاحة في ذلك الزمن المبكر، ولكن كل ذلك جاء متأخراً، فقد تدهورت صحته بشكل أكبر، ثم توفي، بعد تنصيبه رئيساً بشهر وعدة أيام، كأقصر فترة لرئيس أمريكي، وحتى قبل أن يهنأ بالمنصب الذي حلم به طوال عمره، اذ يبدو أنه تحمّس أكثر مما ينبغي!.