د. علي بن صالح الخبتي
مؤسسة مختلفة وموضوع مختلف في عالم مختلف في مكان مختلف.. مؤسسة الفكر العربي هي العقل الذي يفكر لكل العرب عن طريق المؤتمرات السنوية التي تعقدها ويحضرها العلماء المفكرون والأكاديميون والمثقفون العرب الذين يمثِّلون النخب في جميع الوطن العربي دون استثناء وذلك لمناقشة مواضيع تهم الشأن العربي والمستجدات في الساحة العالمية.. وفي هذا العام ولأول انعقد مؤتمر فكر 17 في المملكة العربية السعودية وفي مدينة الظهران في الفترة 2-5 ديسمبر 2019م وبعنوان «نحو فكر عربي جديد».. وكان لي شرف تلقي الدعوة لحضور المؤتمر الذي يعتبر بحق واحداً من أهم المؤتمرات التي تلامس مشكلة الفكر العربي وتناقش سلبياته وكيفية معالجتها للحاق بركب الحضارة والتقدم وعدم التخلف عنها وذلك للمواضيع التي ناقشها المؤتمر والأسماء التي تم اختيارها لمناقشة تلك المواضيع.. وللأمانة والتاريخ تعتبر فكرة مؤسسة الفكر العربي رائدة ومهمة لأنها أثبتت صمودها واستمرارها ونجاحها بتوفيق الله ثم بقيادة رائدها ورئيسها الأمير خالد الفيصل الذي يوليها كل اهتمام ويحرص على حضور كل جلساتها ويعود له -بعد الله - الفضل في كل ما تحققه من نجاحات ويشهد بذلك الجميع.. وفي كل عام يتم إعداد تقرير سنوي عن أهم موضوع يتعلّق بأحوال العالم العربي وقضاياه.. وفي هذا العام وفي أول أيام المؤتمر، الثاني من ديسمبر 2019م أطلق الأمير خالد الفيصل التقرير السنوي العربي الحادي عشر للتنمية الثقافية لمؤسسة الفكر العربي بعنوان: «فلسطين في مرايا الفكر والثقافة والإبداع في جزأين»، ومما قال الأمير خالد في حفل إطلاقه: «الذين كتبوا التقرير لم يكتبوه فقط وإنما أذابوا أنفسهم وعقولهم فيه ويعتبر مقاومة ثقافية وعلمية تضاف إلى الفعل والسياسة».. ومصطلح «مقاومة ثقافية» مصطلح عميق في معناه وفي أهدافه.. الكفاح كله يركز على الفعل والسياسة لكن من المهم أن يكون هناك كفاح ثقافي بجانب الفعل والسياسة.. للحفاظ على الهوية الثقافية بكل جوانبها.. فالجميع يعرف مدى التعدي على الهوية الثقافية المسروقة.. ثقافة فلسطين بكل مكوناتها سرقت.. وهذا جزء من الإقصاء، بل وإنهاء الوجود.. وبعد إطلاق التقرير السنوي تم في نفس اليوم افتتاح مؤتمر فكر 17 بعنوان يتماشى مع العصر: «نحو فكر عربي جديد».. قال الأمير خالد في كلمة حفل الافتتاح: «عَالم ينتفض على الديمقراطية، وعالِم يبحث أنظمة ابتكارية»، وفوضى «خنّاقة» عربيةونظام اقتصادي مادي ينذر بكارثة عالمية، ونحن العرب.. أمم شتى تهيم وفي نفسها «شيء من حتى»، لغتها هوية.. وهويتها لغة ماضيها مجيد وحاضرها شهيد ومستقبلها عنيد، إنه المستقبل الرقمي الآلي، كان يومًا خيالياً فأصبح عالميًا تنافسياً، نحن العرب.. ولا عجب! نعم استُعمرنا، نعم ظُلمنا، نعم فرّطنا، ولكنّا لم نستسلم، العقول هنا.. والفرصة هنا، اقدحوا العقل بالفرصة والحكمة بالحنكة، واطرحوا: فكر إنسان عربي جديد».. كلمات اختصر فيها مشكلة العالم العربي ولماذا هو مستهلك بجدارة.. وأعطى الأمير خالد العلاج لكي يكون مشارك بجدارة في الثورات الصناعية القادمة: «الفرصة هنا، اقدحوا العقل بالفرصة والحكمة بالحنكة واطرحوا: فكر إنسان عربي جديد» واستمرت بعد ذلك جلسات المؤتمر التي شارك فيها علماء وخبراء ومثقفون ورجال أعمال وشباب من مختلف أقطار العالم العربي.. تلك الجلسات التي تناولت سبر أعماق «الثورة الصناعية الرابعة» ثورة الذكاء الصناعي وعالم الإنترنت والصورة الثلاثية الأبعاد والنانو والعالم الافتراضي واقتصاد المعرفة والسوق الإلكترونية.. والشق الثاني من المؤتمر تناول دور المؤسسات العربية المختلفة والدول في مواجهة التحولات والتحديات والرؤى في رسم سياسات جديدة تربوية وعلمية وفكرية تبني فكراً عربياً جديداً.. وكيفية مواجهة المشكلات التي تحول دون ذلك.. ودور المثقفون العرب في تجديد الفكر العربي.. وهذا المؤتمر هو لبنة جديدة في بناء مؤسسة الفكر العربي التي تعمل منذ تأسيسها عام 2000م على تناول مشكلات العالم العربي ومناقشتها ومعرفة العوائق التي تحول دون مشاركة فعلية للعالم العربي في صنع الثورات الصناعية والتحول من الاستهلاك فيها إلى الإنتاج.. والحقيقة أن المتحدثين وأوراق العمل المقدمة في هذا المؤتمر قد اختيرت بعناية وامتازت بعمق الطرح وشمولية التناول والجِدَة.. وكعادة مؤسسة الفكر فقد كان التنظيم عالي المستوى بشكل لافت.. وزاد من تميز المؤتمر المكان الذي عُقد فيه وهو مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء» داخل مقر أرامكو.. ووضعت أرامكو بما عرف عنها من تميز في كل مجال تعمل فيه خبراتها وإمكانياتها ليبهر التنظيم والمكان جميع المشاركين في المؤتمر.. وفي مؤتمر فكر 17 أذهل المشاركين سفراءُ فكر الشباب بمبادراتهم النوعية التي تنم عن تميز الشباب العربي إذا أعطي الفرصة.. أذهلوا المشاركين بطريقة تفكيرهم ومشاركاتهم التي نتج عنا نجاح لافت جعلهم يحصدون جوائز عالمية ومحلية..
وخلاصة القول، فإن فكر 17 قد تناول بالتحليل والمناقشة والأرقام الوضع العربي في عصر الثورة الصناعية الرابعة والتي شارك فيها نخبة من أفضل العقول العربية.. تم تعريف هذه الثورة ومكوناتها ومتطلباتها والفكر العربي الجديد الذي يجب إنتاجه للتعامل مع هذه الثورة والتحول إلى منتج فيها ومشارك في خلق ثورات صناعية جديدة بدلاً من البقاء مستهلكاً فيها.. شكراً للأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر على فكرة هذه المؤسسة.. وشكراً لمؤسسة الفكر لما تقدّمه من تقارير سنوية ورؤى مستقبلية وأفكار نوعية يشارك فيها كل عام النخب من العلماء والمفكرين والمثقفين العرب مما جعلها بحق تستحق أن يطلق «عقل العرب الفاعل».. وفَّق الله كل جهد مخلص.