علي الخزيم
لم يتفق القوم حتى اللحظة على أصل وجذور كلمة (كشتة)، فقد رجّح البعض أن الكلمة عربية الأصل بدلالة خضوعها التام لتصاريف العربية من أفعال ومصادر ومشتقات، فيما رأى آخرون أن لجذر (قشّ) الفصيح صلة بـ(كَشت)، ففي تاج العروس: قشّ القوم: انطلقوا فجفلوا؛ وانقشوا تفرّقوا، وأكد أناس من جنوب المملكة أن كلمة (انقشوا): مسموعة ببعض أنحاء عسير بنفس المعاني المذكورة، وخَلُص لُغَوي إلى أن أصل مادة كشت، مأخوذة من فصيح اللغة من مادة كشط، لتقاربهما بالمعنى والصوت، ومع الزمن تغير صوت الطاء إلى التاء كما في قولهم: أرضٌ سبخة والعامة ينطقونها: صبخة، وجمعها: السِّباخ، والعامة ينطقونها: الصباخ، وبرز من يقول إنها فارسية، أو أن الأكراد ما زالوا يستعملونها بكردستان العراق، وعارضه آخر بقوله: بل هي لغة أُرديّة، وتصدى لهم ثالث بتأكيده أنها بالأصل تركية بمعنى نزهة برية.
طَيِّب؛ هدئوا أعصابكم يا شباب، وبردوا وطيسكم، ما حصل إلَّا الخير، وبذكره فالوطيس مناسب للرحلات وهو الوجار مِشَب النار (الموقد)، والمهم بالموضوع أن ننفذ الكشتة لا أن نختلف على ملكية أصلها وجواز سفرها، فالاختلاف يفسد متعة كل كشتة ورحلة، وما فرّق الأصحاب والأحباب سوى الاختلاف، لا سيما تلكم الخلافات البليدة التي يبحث أصحابها عن زعامة الجماعة بالرحلة أو النزهة، أو من يزعم أنه الأكثر خبرة والأصوب رأياً؛ ثم يتضح أنه لو كانت الرحلة بدونه لاكتملت المتعة من كل جوانبها.
الأجواء بالفترة الحالية مناسبة للتخييم والخروج للبراري، لكن من ملاحظاتي أن المبالغة بإعداد وتجهيز المخيمات البرية يفقدها بعض المتعة، فلا أرى - والرأي لكم - أن نزيِّن مداخل المخيم بالرخام والمزهريات والمصابيح المنقولة (أباجور) توضع على المناضد بكل زاوية، وكذا المبالغة بأواني التقديم وفناجين الشاي والقهوة، ورص الدلال والأباريق الزاهية حول النار المُتَّقدة، هو منظر جميل غير أنه لا يوحي بمراسم رحلة برية هدفها الأساس المتعة؛ إذ يتحول إلى المفاخرة والتسابق بالتجمّل والتأنق بالأثاث والتجهيزات بوسط الصحراء، لمجرد أن يقال: إن مخيم سين من الناس أفضل من مخيم صاد! وأنا أقول: إذا دخلنا بتقييم المخيَّم وأثاثه من الناحية الجمالية فقط؛ فقد خسرنا متعة التنزه والاستجمام البري الشتوي المحبب للنفس، فنفوسنا إنما تشتاق للانطلاق والبساطة والانعتاق من القيود المراسمية البروتوكولية المعقدة، إلى التصرف والمرح بعفوية لإمضاء أوقات ماتعة مشوقة ببساطة المكان والزمان والرفاق والنظرات والعبارات، والتنازل والتسامح عن الزلات وتجاوز التدقيق بما يصدر من مزاح وتعليقات تهدف إلى تزجية الوقت بكل جديد وطريف يبهج النفوس ويجلو عنها متاعب صرامة العمل وغثاء زحام الطرق وكآبة تثقل القلوب من تقلبات الظروف والأحوال، فلا متعة بالكشتة إذا لم نترك كل علامات (الحقانة والبثارة) هناك وسط الزحام لتتوه ولعلها لا تعود إلينا بعد الرحلة.
إذا كان التبسُّط والتلقائية والعفوية من مقومات الرحلة والنزهة الناجحة المميزة، فما رأيكم أن نجعل هذه المعايير الجميلة سَجيَّة لنا ببقية أمورنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، والتجربة برهان قاطع.