محمد آل الشيخ
أعلن فلسطينيو غزة المتأخونون أن كبيرهم (اسماعيل هنية) سيقوم بجولة خارجية تشمل روسيا وقطر. ولم يذكر اسم إيران ضمن الدول التي ينوي زيارتها؛ ويبدو أن ارتدادات الزلزال المفاجئ الذي ضرب المنطقة مؤخراً، وفقدان إيران شبه المؤكد نفوذها، بل واحتلالها، للعراق وكذلك الأمر بالنسبة للبنان، جعل الحمساويون يعيدون حساباتهم المستقبلية، لا سيما وأن تحالف حماس مع دولة ملالي الفرس كان بسبب الدعم المالي والتمويل لنشاطاتهم في غزة، وهذا التمويل أصبح يشوبه كثير من الشكوك، بسبب أن إيران تتعرض الآن لحصار أمريكي محكم وغير مسبوق، حتى اضطرت سلطات إيران إلى زيادة أسعار الوقود ثلاثة أضعاف، الأمر الذي أحدث في إيران هزة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية لم تجد السلطات بدا من قمعها بالقوة، فخبت تلك الاحتجاجات، وإن كان جمرها ما زال يتّقد تحت الرماد، ومثلما قلب الحمساويون لسوريا الأسد ظهر المجن في بدايات الثورة السورية، لاعتقادهم أن نظام الأسد ساقط لا محالة، ولا بد من الانفكاك عنه، مارسوا الدور نفسه مع ملالي الفرس هذه الأيام، وهربوا من المركب حينما رأوه يتصدع في طريقه للغرق. وهذا الأمر -بالمناسبة- ما يحاول أن يفعله آخرون للسبب ذاته في مكان آخر. الحمساويون ينتمون -كما هو معروف- لجماعة الإخوان، ومعروف عن هذه الجماعة تغيير جلدها والتخلي عن حلفائها متى ما وجدوا أن مبررات التحالف معهم قد وهنت، وأن الثمن الذي سيدفعونه قد يكون باهضاً، وقد يمس مسألة وجودهم. بمعنى أن الرهان على الحليف الإيراني سيكلف حماس أكثر مما يفيدها، لا سيما وأن (التمويل) المادي الذي دفع الحمساويون إلى الاصطفاف مع إيران ضد العرب نسفته (المتغيرات) التي تشهدها الساحة في المنطقة، بعد خسارة إيران شبه المؤكدة أهم جناحين لإيران وهما العراق ولبنان، ناهيك عن التململ الذي يبديه الإيرانيون تجاه نظام الملالي في الداخل الإيراني.
لهذا، وقد سبق وأن أشرت إلى ذلك في مقال سابق، ستعيد هذه المتغيرات ترتيب مراكز القوة في المنطقة، بالشكل الذي يجعل الغول الإيراني يتراجع إلى الوراء، وخططه التوسعية تبدأ في التآكل، هذا إذا لم تنفجر إيران من الداخل لأسباب اقتصادية، وتعيدها إلى يوغسلافيا ثانية، لأنها تملك كل المقومات التي قد تنتهي بها إلى النموذج اليوغسلافي.
من جهة أخرى تدور شائعات في إسرائيل مفادها أن ثمة هدنة (طويلة) ستسود في العلاقات المتوترة بين حماس وإسرائيل، تسعى إليها مصر، وغني عن القول إن أمراً كهذا لو تحقق لن يكون في مصلحة إيران التوسعية، ولا يمكن أن توافق عليه، لأن إبقاء التوتر بين حماس وإسرائيل مطلب استراتيجي يصب في مصلحة المشروع التوسعي الإيراني، الذي من أولى أولوياته (التذرع) بدعم الفلسطينيين، وتحرير أرضهم، لذر الرماد في عيون العرب وعندما تفقد إيران هذا (المبرر) فإنها ستفقد مناصريها وداعميها من العرب، وبالذات الفلسطينيين.
زيارة هنية الخارجية التي أعلن عنها في الأيام الماضية، والتي استثنت -عن عمد- زيارة طهران تؤكد أننا على أعتاب مرحلة جديدة، تغير فيها اللاعبون، وتغيرت في الوقت نفسه قواعد اللعبة.
إلى اللقاء