فضل بن سعد البوعينين
نجح مجلس التعاون الخليجي في مواجهة كثير من التحديات التي تعرضت لها بعض دول المجلس، وأسهم بعد الله، في حمايتها من أزمات أمنية وسياسية واقتصادية. كما نجح في تجاوز بعض الخلافات الحادة والعمل كمؤسسة مستقلة تنأى بنفسها عن بعض خلافات الأعضاء البينية، وتحرص على تحقيق الاستدامة ومصالح الدول الأعضاء.
استدامة المجلس هو الهدف الرئيس لدول الخليج؛ وفي مقدمها المملكة التي تعاملت بحكمة وأناة مع كل ما تعرضت له من تهديدات لأمنها واستقرارها وعلاقاتها الدولية، خلال العقد الماضي، ما أسهم في حمايته وبقائه برغم تلك التحديات المؤثرة، التي كان من الممكن أن تنهي المجلس أو تتسبب في إقصاء بعض أعضائه.
إعلان قمة الرياض 2018 أكد أهمية التمسك بمجلس التعاون الخليجي، لمواجهة تحديات المنطقة، مع الحرص على قوة المجلس ووحدة الصف بين أعضائه. ومن المؤكد أن يكون هذا الهدف حاضرًا وبقوة اليوم، برغم ما يواجهه من تحديات جسام لم يتم التغلب عليها، وهي تحديات من داخل المجلس ومصدرها قطر، إضافة إلى التحديات الإقليمية في اليمن والعراق وما تواجهه المنطقة من تهديدات إيرانية مباشرة.
الأكيد أن اجتماع الرياض اليوم سيكون مختلفًا عما سبقه من اجتماعات، خاصة مع ظهور بوادر إيجابية تعزز إمكانية معالجة الملفات المعلقة، وفي مقدمها ملف دعم وتمويل الإرهاب، وإنهاء الأزمة الحالية، إلا أن التفاؤل المفرط في مقابل الملفات الثقيلة يحتاج إلى كثير من المراجعة والحذر أيضًا.
أعتقد أن ملف دعم وتمويل الإرهاب هو الملف الأضخم والأكثر ارتباطًا بملفات الخلاف الأخرى، ما يستوجب الانتهاء منه أولاً، وبتأكيد لا يلحقه النقض أو التهاون، خاصة وأنه الملف المتكرر في غالبية القمم السابقة، ولعلي أشير إلى بيان قمة الكويت التي أكد فيه المجلس مواقفه الثابتة من ظاهرة الإرهاب وخطورته وأهمية مكافحتها ومكافحة تمويلها والفكر المتطرف المؤدي لها وتكثيف الجهود الجماعية والدولية في مواجهتها، وتبادل المعلومات وعدم استخدام أراضي الدول والتحضير والتخطيط والتحريض على ارتكاب أنشطة إرهابية.
وضوح البيان الختامي، واتفاق الدول الأعضاء عليه، لم يحل دون خرقه حتى قبل أن يجف حبره. لذا أرجو أن تكون القمة الحالية بداية جمع الصف والكلمة على أسس من المصارحة والمكاشفة وإغلاق ملفات الأزمات الأمنية والسياسية وفق اتفاقية منضبطة وملزمة، وعقوبات استباقية لمن يخالف مضمون الاتفاق.
لا خلاف على أهمية الملفات الاقتصادية، والتنموية إلا أن ملف مكافحة الإرهاب وتمويله والتآمر على دول المجلس مقدم على ما سواه. تشكل قمة الرياض مفترق طرق لأعضائه، فإما اتفاق ينهي ما تتعرض له دول المجلس من تهديدات وتحديات مرتبطة بأمنها واستقرارها، وإما المواجهة الحتمية التي تحفظ للدول المتضررة حقوقها وأمنها، بعيدًا عن المجاملات ودبلوماسية التآمر.