عبده الأسمري
منظومة الحديث ونظم العبارات تبدأ بكلمة وتنتهي بأخرى.. لتبقى «السر» الخفي و»الجهر» المعلن في الإرسال والاستقبال ووسط الفعل وردته..
يبدأ الإنسان تعلم «الكلام» منذ السنين الأولى التي يخضع فيها إلى تدريب لغوي وتأهيل كلامي حتى يصل إلى النطق ثم إلى الحديث ثم إلى التواصل وأخيرا إلى القدرة الكاملة على التعاطي مع الآخرين بالتعاطي القولي لتظل «الكلمة» وسيلة الفلاح وغاية النجاح. لتسمو مع صاحبها لتبقى «سلاحه» و»حجته» وترتقي لتكون «برهانه» و»كيانه».
الكلمة هي التشكيل «الرهيب» والمكون «العجيب» والمخطط «المهيب» الذي تبنى به «صروح» الحديث أما على الورق أو أمام الشاشات أو فوق المنصات وهي ذاتها «الخلطة السرية» التي تكتب بها الخطابات وتنشئ منها «المقامات» وترقى بها «المرافعات» وتبرز بها «المكاشفات»..
الكلمة سلاح إنساني ومغنم بشري يميز «البشر» عن الكائنات الأخرى لتتشكل بها «الهوية الإنسانية» وتتكون منها «الهواية البشرية» في حيثيات التعاملات وتداعيات المواقف للسير قدما في دروب الحياة بين مسارب «الامتحان» ومشارب «الاطمئنان» والمضي إلى «أهداف» المعاني و»رؤى» التخطيط.
لو عدنا بالذاكرة إلى سيرتها «الأولى» وسردنا شريط «الذكريات» ووضعنا «الكلمة» في «ميزان «الرضا» و»اتزان» القناعة لوجدنا أننا سائرون ما بين متاهة «الاقتناع» وخارطة «الإبداع» ولظللنا حائرون بين خطوة «العزيمة» وسطوة «الهزيمة» في إثبات «الموضوعية» أو إلغاء «الذاتية» في صراع جائل يجعلنا في اختبارات متجددة لوضع كلماتنا في «الفراغات» المناسبة وإيجاد الترابط الحقيقي بين أقوالنا وأفعالنا من مبدأ الحق ومبتدأ المنطق.
الكلمة هي التوليفة التي ألفت منها المعاجم والكتب وصنعت بها ملذات «القراءة» ولذائذ «الكتابة» وبحروفها أنشدت أقوى «أبيات» الشعر وبمكنونها سطرت أروع «ملاحم» الرواية وبكيانها أمطرت أجمل «نهايات» القصة وبسحرها صفق «التاريخ» لأبطال الحرف في عبارات ظلت «منهجاً» للقول و»نهجاً» للفعل وفي بحرها شيدت بناءات «الآداب» وفي سموها تواجدت «واجهات» «الثقافة» فظلت «المعنى» المستديم لصناعة المعرفة و»المغنم» الدائم لصياغة العلم.
من الكلمة تعلمنا الكتابة وبها شغفنا بالقراءة وخطونا من خلالها في مسارات «الحياة العلمية» وخطينا بها في اتجاهات «السيرة العملية» فكانت «النبع» الذي أسقى واحات ثقافتنا والمنبع الذي أخرج «رياحين» مواهبنا.
الكلمة علاج فعال لتصفية «الذوات المتعبة» ودواء شافي لتنقية «الأنفس المتألمة» في سياق «محاسن الحديث» وفي اتساق «الأقوال الحسنة» لبلورة «منهجية» الذوق الرفيع في التحدث والسرد الراقي في التعامل لتشكيل «روح» التواصل الأجمل وتأصيل «بوح» الوصال الأمثل.
الكلمة انعكاس «الفكر» وارتداد «التوجه» ومرآة «الرؤية» التي تكشف سلوك «القائل» وتبين مسلك «الكاتب» وتوضح وجهة «المتحدث» لتكون «عنواناً» مختصرا للعديد من التفاصيل التي تتوارد في العبارة وترد في الخطاب.
الكلمة «أسلوب» حياتي يرصد الاستجابات ويتفاعل مع المؤثرات ويتكامل مع المثيرات وتبقى «نتيجة» لردات الأفعال و»ناتج» لمرود التفاعل في محيطات «المعاملات» ومعطيات «الحوارات» ومؤشرات «المناقشات».
تنطلق «الكلمة» من غرفة عمليات «بشرية» خاضعة للسيطرة والتدقيق والتصويب والتفكير والتدبير حتى تتجه إلى قطبية الصح أو الخطأ لتعلو إلى «مقام» السداد أو تسقط في «قبو» الوئاد» فتكون «الفوز» الذي رفع القائل و»الفشل» الذي أسقط المتحدث.. ضمن نتائج خاضعة للحقائق ومبرهنة بالوقائع.
من الكلمة «الطيبة» و»الصائبة» و»النافعة» يتحدد الاتجاه إلى آفاق «السداد» عبر التسديد الذي يسير بها إلى «جادة» الصواب فترتفع إلى «مستويات» التسيد الذي يجعلها في متون «الإشادة» و»فنون» الإجادة» لتتعالى وتتباهى في إرث «الاقتداء» وتوارث «الاحتذاء».