رجاء العتيبي
أطلق البعض عبارة (لا تجعلوا الحمقى مشاهير)، وشاعت وانتشرت، في حين هي جملة (عاطفية) تستميل المعارضين لمشاهير قنوات التواصل الاجتماعي، ولكن عند تفحص الجملة (علميا) بعيدا عن العاطفة والمواقف والاصطفاف، نرى أنها جملة غير صحيحة.
أولا: هم ليسوا حمقى، وإطلاق صفة حمقى تعني (اتهام) شخصي، ولو قال أحد ما هذه الجملة وأشار بإصبعه إلى مشهور محدد لطالته عدالة القضاء.
ثانيا: هم يقدمون مادة في قنوات مفتوحة للجميع ليس لنا صفة رسمية بحيث (نسمح أو نمنع)، وانطلاقا من حرية الإعلام فلهم الحق هم وغيرهم لأن يقدموا أنفسهم بأي طريقة كانت طالما لم تتعارض ذلك مع قوانين الذوق العام، أو قوانين النشر الإلكتروني.
ثالثا: طالما حظوا بشهرة وبمتابعة كبيرة، فهذا من حقهم، والذي يفصل في هذا (الجماهير) هم من يحدد وليس أنا ولا أنت، معايير الجماهير غير معاييرنا ومعايير زمنهم غير معايير زمننا.
رابعا: لم يعد للنخبة سيطرة كما كان الوضع قبل عقود، النخبة سقطت وبرز الشعبي ويمكن قراءة أطروحات د. عبد الله الغذامي بهذا الشأن ليفهم المعترضون بعضا من قوانين ما بعد الحداثة.
خامسا: وأظنه الأهم، وهو أن (وظيفة الإعلام) متابعة الحدث، الإعلام (يتبع) الحدث، وليس له وظيفة غير هذه، ومن يريده موجها أو مربيا فقط جانبه الصواب.
المؤسسات الإعلامية في كل دول العالم تقول إن الإعلام (يتبع) الحدث، أما المجتمعات النامية فتريده موجها لها ومربيا لأفرادها وما لهذا جاء.
وكون (الإعلام) يتبع الحدث، جاء متسقا مع فطرة (الإنسان) الشغوفة بالأحداث ومتابعتها والركض ورائها، تخيل حادث اصطدام سيارات، وانظر إلى العدد الكبير المتجمهر حوله، أوقفوا سياراتهم لمتابعة حدث حصل بـ(شغف، فضول، متابعة، تلهف).
وكذلك مشاهير قنوات التواصل الاجتماعي قدموا مادتهم على شكل (حدث) فكان من الطبيعي أن يتابعهم الجماهير, لم يخرج أحد منهم بصورة طبيعية, أو صورة رسمية, أو بشكل (عاقل), وإنما ظهروا بطريقة مدهشة, والدهشة بحد ذاتها (حدث), لهذا استطاعوا أن يحققوا أرقاما كبيرة في عدد المتابعين, عملوا بمعيار إعلامي صحيح, أن يقدموا (حدثا) مثيرا شكلا وموضوعا, فتابعهم الإعلام, لأن الإعلام (يتبع) الحدث, وهذه وظيفته, فالإعلام لا يتابع (كلبا عض رجل) وإنما (رجلا عض كلبا).
وهذا من بدهيات الموضوعات التي يدرسها طلاب قسم الإعلام في كل مكان في العالم.
المشاهير ليسوا حمقى، بقدر ما هم أذكياء في تقديم مادتهم وفقا لمعايير الإعلام، والإعلام الذي يتابع, ينطلق من الخبر المدهش المثير الغريب.