وأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخبارهُ
يفنى ويبقى ذكره بعدهُ
إذا خلت من شخصه داره
الصفات الحميدة والتحلي بالتواضع، وبالأخلاق رفيعة المستوى من سمات المؤمنات الصالحات، اللاتي يسعدن بالمحبة والاحترام في مجتمعهن الأسري، والمحبوبات بين أقرانهن منذ التعرف عليهن، وهذه السجايا الجميلة تذكرنا بما تتمتع به الأخت الفاضلة الأستاذة بدرية بنت حمّاد الشبيلي (أم فهد وأم الأطباء والطبيبات) منذ فجر حياتها، ولا غرو فهي من أسرة كريمة عرفت بالكرم، وسماحة الخلق، والتحلي بالأدب الجم الرفيع، التي انتقلت إلى الدار الآخرة حميدة أيامها ولياليها، وقد أُديت صلاة الميت عليها بعد صلاة عصر يوم الاثنين 14-3-1441هـ بجامع الجوهرة البابطين بالرياض، ووري جثمانها الطاهر في مقبرة الشمال مأسوفاً على رحيلها العاجل، -رحمها الله- وكأن لسان حال أبنائها بعد عودتهم إلى منزلها، وقد خلا منها مكانها ومصلاها يرددن هذا البيت:
يعز علي حين أدير عيني
أفتش في مكانك لا أراكِ
كان الله في عونهم، وكانت ولادة الأستاذة بدرية عام 1381هـ فعاشت طفولتها بين أحضان والديها وبين إخوتها وأخواتها في أجواء تحفها أجنحة اليمن والمسرات، وكانت سمات الهدوء والتآلف من صفاتها المميزة مبكرة.. وعند بلوغها السابعة من عمرها بدأت في تلاوة القرآن الكريم وحفظ بعض السور منه تمهيداً للدراسة النظامية.. ثم سارت على بركة الله بقوة ونشاط، مواصلة حتى نالت شهادة البكالوريوس في التربية.. بعد ذلك عينت معلمة مزاولة ذاك العمل المشرف بدايةً في الصفوف الأولية، التي نالت الشهرة فيها بإخلاصها وحب الصغار لها، وتشجيعهن بتقديم الهدايا الجميلة للطالبات النابهات.. فالله سبحانه وتعالى قد وهبها رحابة صدر، وأسلوب جذاب، مما جعل طالباتها يتميزن خلقاً حسناً، وتقبلاً لما يسمع ويحفظ، فهي يرحمها الله محبوبة لدى زميلاتها وطالباتها معاً، ولقد أحسن شاعر النيل حافظ إبراهيم القائل:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
ولم يعقها عملها الرسمي عن الاهتمام بالمتابعة في سير أبنائها النجباء وبناتها الفضليات، في مراحلهن الدراسية، وتنوع تخصصاتهم.. حيث حصل أبناؤها وبناتها على درجة الدكتوراه والماجستير في التخصصات الهامة.. فهي بحق تُعد أم الأطباء والطبيبات، -رحمها الله رحمة واسعة- وبارك في أبنائها وبناتها, وقد قيل: «قيمة كل امرئ ما يحسنه» فعاشت حياتها محبوبة في مجتمعها ومع زميلاتها وجيرانها لما تتمتع به من دماثة خلق ولين جانب مع الكبير والصغير، ومحبة للبذل السخي لدار تحفيظ القرآن الكريم، وفي أوجه البر والإحسان للضعفة والمساكين، حاثة أبناءها وبناتها على تقوى الله وقوة الترابط والتألف فيما بينهم, والإعراض عن مساوئ الناس ليسعدوا في حياتهم, وليبقى ذكرهم الجميل خالداً بعد رحيلهم إلى الدار الباقية:
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثا حسنَاً لمن وعى
ولا ننسى تشريفها منزلنا في محافظة حريملاء هي وأحد أبنائها منذ مدة من الزمن قبل رحيل عقيلتي (أم محمد) -رحمهما الله-؛ وقد سعدت أسرتي بتلك الزيارة الودية التي بقيت ذكراً جميلاً في نفوسنا جميعاً, فعلاقتنا (بأم فهد) -رحمها الله- امتداد لعلاقتنا الوطيدة مع جدة أبنائها ابنة عمنا الحبيبة طرفة بنت محمد الخريف معلمة البنات بمنزلها في حريملاء منذ عام 1362 هـ إلى 1375هـ, حيث انتقلت إلى الرياض وفتحت مدرسة في بيتها ودرسّت لمدة ثلاث سنوات إلى عام 1380هـ, بعد ذلك عُينت معلمة في المدارس الحكومية مدة سبعة وعشرين عاماً حتى تقاعدت تاركة أثراً طيباً وذكراً حسنا -تغمدهما الله بواسع رحمته-، وألهم زوجها الأخ الكريم حمد الحرقان وأبناءها وبناتها, وإخوتها وأخواتهاا وأسرة الشبيلي ومحبيها الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء