د. علي بن أحمد القحطاني أستاذ اللغة العربية ومدرب في التنمية البشرية ، عرفته قبل 29 عامًا 1412 - 1992 أستاذًا ومعلمًا ومبدعًا وصانعًا (للحياة) ومدربًا على (التحدي) في مواجهة نفسك قبل أي (أحد).! ومن وفقه الله لأن ينتصر على (نفسه) مع بذله الأسباب الأخرى فلن يهزمه (أحد)! {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا}..
هذا أول درس، وأجمل لوحة، وأعمق قاعدة تلقتها روح شاب يافع يتطلع إلى (المجد).. كانت (حصته) الدراسية مزيجًا من التفكير والنقد والتحليل والمبادرة لتكوين هرم من الأفكار ورسم الألفاظ المحلقة، وكان يحمل أيضًا (سلة فواكه!) نتذوق منها أعذب الشعر وأجمل النثر في تراثنا العربي التليد ويحرك حواسك الخمس مع كل نص أدبي (هناك حاسة سابعة حسب الدراسات الحديثة).. مادة (التعبير) وما أدراك ما مادة التعبير؟! إن كان المسرح (أبو الفنون) وقد صدقوا، فإن مادة التعبير في نظري هي: (الأب لمواد اللغة العربية) يجتمع فيها: (القراءة، الكتابة، الإملاء، القواعد، المحفوظات، النقد، الإلقاء، الخط، ...) مادة (التعبير).. آهٍ من تعابير وجهه، وتعابير عناوينه التي تستفز الخيال وتنمي العقل لمزيد من العمل الإبداعي.
أذكر أحد التعابير حين طلب من كل طالب أن يخاطب ويخطب (ود) كل من حوله (بحر، مدينة، جهاز حاسب، شخصية مؤثرة، كتاب، ...) جعلنا نستنطق ونتفاعل مع المحيط الذي يدور أو ندور حوله. (ألم أقل لكم يحرك حواسنا الخمسة؟!) كتبتُ (ما زلت احتفظ بالمقالة وعليها إمضاء حرفه المحفز) عن (البحر).. فأبحرتْ مجاديف أقلامي وغاصت أوراقي في (أول لقاء) مع هذا المخلوق الذي أبدعه الخالق. ثم أصبح هذا البحر (الطويل) بعد هذه الأعوام (المتطاولة) أحد أصدقائي العزيزين الذين أزورهم بعد أن التقيت بهم في درس (التعبير) دون موعد مسبق.
(ما أجمل هذا الموعد!) مرة ثانية.. طلب منا أن نكتب عن (التعصب الرياضي) بعد مقدمة خلاقة وقطعة أدبية ذهبية جاءت في حوار بين شابين.. (ما زلت احتفظ بها أيضًا) كان يريد لشبان مثلنا في قوة نشاطهم وأرجو أن رسالته وصلت، أن يهذب فينا هذا النشاط الجسدي الجميل ويدفع به إلى (حراك) رياضي ولا يتحول إلى (عراك).. واليوم نرى (كم) التوعية على منصات وسائل الإعلام والجهد الضخم المقدر الذي يحاول مسيروه تصحيح المسار داخل أو خارج الملعب ونأمل لهم النجاح.
المشاهد كثيرة، والفصول متعددة، والحديث عن أستاذي الجميل الوفي لا يمكن وصفه بهذه الخاطرة القصيرة. كان (الكثير) من الطرق الحديثة للتعليم والتدريس التي ينادي بها اليوم رجالات التربية والتعليم وتحث عليها الدراسات المنثورة في الكتب المتخصصة والمجلات المحكمة كان أستاذي يطبقها مع قلة الإمكانات وضعف الداعم النفسي والمالي، ومع هذا أصر على المضي مع رفاق قليلين. المبدعون والناجحون والمناضلون والقادة في كل مجال يولدون في بيئات صعبة ولكن الأثر الذي يحدثونه يبقى، وقد بقي -بفضل الله-. فعدد من أساليبه التعليمية وطرائقه الإبداعية وإشاراته التربوية يمارسها الآن عقلي الباطن مع تلاميذي بعد كل هذه الأعوام..! حتى إن (السبورة الخضراء) بعد أن يمرر عليها (الطباشير بألوان مختلفة) - لم تأتِ السبورة الذكية بعد- تتحول السبورة كلها كألوان الطيف مع خط جميل وتقسيمات للدرس لافتة للبصر.
آمل من (زملائي المعلمين الأعزاء) أن يستشعروا هذا المعنى مع الإمكانات الضخمة الآن والفرص الكثيرة وننتظر مبادراتهم وإصرارهم. (والكثير قد فعل مثل هذا وأكثر). كانت تلك الطرق (الإستراتيجيات) يفعلها بتلقائية في حصصه الدراسية ومعها إتقان في أعوامه الأخيرة بعد جد واجتهاد في مواصلته للدراسات العليا من حسابه الخاص وهو على رأس العمل قبل أن يضع قلمه ودفتره وفكره ويتفرغ إلى نشاطه المحبوب الذي عودنا عليه (المشاركة في الجهات الوطنية والمؤسسات التنموية). إنها كلمة وفاء، ومشاعر ود، وعبارات تقدير لأستاذي ولكل أستاذة أو استاذ عرفته أم لم أعرفه، الذين يسهمون في صناعة الأجيال الراشدة والمواهب الفذة والقادة الكبار لمستقبل أوطانهم وأمتهم.
نعم.. (عليٌ) هذا يرتفع، وأمثاله هناك (يرتفعون)!
** **
أستاذ اللغة العربية - الرياض