عبدالعزيز السماري
أحيانا قد تستطيع فهم سر حضارة شعب ما من خلال لغتها، والشعب الألماني مثال على حضارة إنسانية قامت على ثقافة العمل والإنجاز، والكلمة التي قد تخترق تلك الأسوار العالية هي مصطلح، sitzfleisch، وعندما يقول شخص ما إن لديك sitzfleisch، فإنه عادة ما يكون مجاملة احترافية على مستوى عال: فهذا يعني أنهم يعتقدون أنك قادر على التركيز لفترة كافية لإكمال مشروع صعب أو إنهاء أي عمل يحتاج إلى القيام به.
وإذا لم يكن لديك sitzfleisch، فهذه طريقة مثيرة للتعبير بشكل خاص عن الإشارة إلى أنك قد تكون طائشًا أو غير قادر على التركيز على شيء واحد في وقت واحد، وعلى سبيل المثال، لن يكون من غير المألوف سماع كبار السن الذين يشكون من أن الشباب غير المسؤولين يفتقرون إلى معاني هذا المصطلح الألماني الشهير، أي لأنهم لا يستطيعون البقاء في مكان واحد لفترة كافية لإنجاز أي شيء.
لكن هذا ليس المعنى الوحيد لـsitzfleisch: قد تعني أيضًا، في بعض الحالات، أن المرء يجلس ببساطة وينتظر موقفًا صعبًا لتجاوزه، وفي هذا السيناريو، يتعلق الأمر بالقدرة على التحمل، بل بالأحرى القدرة على الجلوس بإحكام لفترات طويلة، من أجل العمل الجاد والمستمر.
يستخدم هذا المصطلح أيضًا لوصف الصبر اللازم لتحقيق الهدف، وقبل أن يتمكن الموظفون من العمل على زيادة إنتاجيتهم، يتعين عليهم أن يدركوا أولاً أنهم يعانون من نقص الإنتاج، ويمكن أن يأتي هذا من ردود الفعل من المديرين أو الأقران، أو يمكن أن يأتي من تقييم نفسي مختص.
الكلمة تحولت إلى ثقافة في بيئة العمل، فالأشخاص الذين يركزون ويعملون بجد سوف يركزون ويعملون بجد أينما كانوا، فالقدرة على الجلوس لفترات طويلة من الوقت اللازمة لتكون مثمرة حقا؛ وهذا يعني أن القدرة على التحمل للعمل من خلال موقف صعب ورؤية المشروع حتى النهاية.
يوضح أحد المترجمين الألمان: ربما التعبير الأنسب لفهم هذا المصطلح الألماني الشهير هو «القدرة على التحمل»، لكن الأفضل هو أن نقول، «لديك القدرة على البقاء»، أي أنك قادر على الجلوس في مكان واحد لفترة طويلة من الزمن وإتمام العمل.
قد نجد في مجتمعنا من يمثل هذه اللزمة الأساسية للنجاح في العمل، لكن الأهم أن تتحول إلى ثقافة مجتمع، فالعمل الدؤوب والإصرار على النجاح هو أساس أي حراك اقتصادي أو تنموي في أي تجربة جديدة في دول العالم، لذلك لا بد البدء من هنا إذا أردنا الوصول إلى حلول نهائية لأزمات الاقتصادات المحلية في الشرق العربي..
هذا المقال مستوحى من عدة مقالات كان هدفها محاولة فهم سر النجاح في بيئة العمل الألمانية، فأحببت مشاركتكم بها، لعل وعسى أن تجد هذه الثقافة طريقا في بيئة العمل المحلية، والتي تعاني في الوقت الحاضر من أكبر عملية هروب وعدم تحمل في بيئة العمل.