م. بدر بن ناصر الحمدان
الهلال أيها السادة، أشبه بقهوة مساء مخملية، في ليلة ممطرة، لعشّاق عابرين إلى الجانب الآخر من النهر، توقفوا على جسر الحياة ذات يوم، يفتشون عن القمر، بين ركام الغيوم السوداء، ليرتشفوا ما تبقى من عطر الشتاء، الهلال قصة حب توارثتها الأجيال، بدأت ولم تنته، وترنيمة متيّم يشدو «لا تخفِ ما فعلت بكَ الأشواق.. واشرح هواك فكلنا عُشاقُ».
علاقتي بنادي الهلال تشبه إلى حد كبير عاشق للجمال يتجول في أروقة مدينة مسكونة ردهاتها بكل ما هو جميل، وتطل شرفاتها على نهر أزرق، لا يتوقف جريانه أبدًا، لقد بدأت الحكاية منذ الصغر، حينما كنت ارتدي وشاحه وأنا في الطريق إلى المدرسة، مع ما تبقى من ذكريات روبرتو ريفيلينو، وصالح النعيمة، ونجيب الإمام.
كان الجزء الممتع جدًا في الرواية الزرقاء التي عشتها بكل تفاصيلها، تلك المرحلة التي كان يتزعمها الفيلسوف يوسف الثنيان، ويقودها سامي الجابر، ويحميها محمد الدعيع، ما حدث لم يكن مجرد تشجيع لنادٍ، بل كان أبعد من ذلك بكثير، شيء لا يمكن إدراكه أو حتى فهمه.
في رحلتي مع الهلال، تعلمت ثقافة المنافسة، وأخلاق الانتصار، وروح الخسارة، والأهم من ذلك كله ألا أتنازل عن أحلامي وطموحاتي، مهما بدت مستحيلة، أو صعبة المنال، وأن أثق بقدراتي وشغفي وإرادتي، وأن أكون قويًا وواثقًا ومثابرًا بما يكفي للوصول إلى تحقيق أهدافي التي أصبو إليها، فمن لا يخوض معركة في حياته لن يتمكن من بناء قيم ومبادئ تقوده إلى الاعتزاز بذاته.
منذ 16 أكتوبر 1957م والهلال زعيم كرة القدم السعودية، وفي 24 نوفمبر 2019م الهلال بات زعيم العالمية الجديدة، في عمر الزعيم الأزرق عربة التاريخ ستحفظ بكل احترام وتقدير لهذا الكيان العريق، تجربته الملهمة في الإصرار على استعادة مجد وزعامة القارة الآسيوية، حينما أكَّد أن ما من عودته بـُد، كان مشوارًا استثنائيًا وتحديًا كبيرًا في عالم كرة القدم، برهن أنه البطل الذي لا يعود إلى الوراء، ولسان حاله يقول: «عائد وبقوة، من كل عاصفة ألم شتاتي».
لقد واجه الهلال بثبات كل تلك المحاولات اليائسة من لدن أولئك الذين أساؤوا إليه، ودأبوا على النيل من شخصيته في فترات التعثر، بل وسعوا جاهدين إلى الإجهاز على حلمه الكبير، وجيّشوا كل ما من شأنه تقويض قدراته، وتمركزوا في المعسكر الآخر، وتعمدوا إحباط إرادته نحو العرش الآسيوي.
في نهاية المطاف، وعلى أرض أرخبيل اليابان، كانت له الكلمة، فعاد الزعيم زعيمًا لنصف الأرض، وكبيرًا للقارة الصفراء، وهو اليوم في طريقه إلى المنافسة مع الكبار على بطولة العالم، وعادوا هم من حيث أتوا، وخسروا الرهان على إيقاف هذا المارد، وكأنه يقول لهم ما قاله الشاعر مهذل بن مهدي:
أتظن أنك عندما أحرقتني
ورقصت كالشيطان فوق رفاتي
وتركتني للذاريات تذرني
كحلاً لعين الشمس في الفلوات
أتظن أنك قد طمست هويتي
ومحوت تاريخي ومعتقداتي
عبثا تحاول.... لا فناء لثائر