فهد بن جليد
طريقتنا في الحوار والنقاش لم نتعلمها من المدارس غالباً، وربما أنَّ منازلنا لم تكن البيئة المثالية أيضاً لمنحنا هذه الخصال، لعلَّها الحاجة الطبيعية للتكيُّف والتعايش مع الآخرين مع تزايد العمر وخوض التجارب التي جعلت الناس تعود من جديد لآداب الدين والمجتمع بشكل أكثر وضوحاً في هذا الجانب، فالتعليم في السابق لم يكن يُكسب فنون الحوار أو يدعم آداب الاختلاف وتقبل الآراء المُخالفة، وكيفية استنباط الحقيقة والوصول إليها بتفكير وعقل وإقناع واقتناع، رغم أنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية المُطهَّرة يحثان على الحوار ويدعوان إليه، بل إنَّ في قصص الأنبياء وحوارهم مع الله ومع الناس ما يكفي لتعلم فنون الحوار وآدابه، التمسك بالرأي الواحد والتعصب للفكرة الواحدة، ومُصادرة حق الآخرين في الاختلاف معنا في النظرة للأشياء من حولنا، لم تعد صالحة لهذا الزمن ولا لتربية الجيل القادم الأكثر تقبلاً ممَّن سبقوه للحوار والاختلاف والتنوع، خصوصاً وأنَّ عدم إتقان فن الحوار وفقدان آداب الاختلاف وأساليبه يجعلنا في صدام دائم مع من حولنا حتى على أصغر المواضيع، فبدل أن نتشارك نتعارك، وبدل أن نبحث عن نقاط الاتفاق نتقن نبش نقاط الاختلاف، وهذه صفات وأخلاق مُصطنعة ومُكتسبة لا تمثلنا وليست أخلاق ديننا ولا عروبتنا، ويجب التخلص منها والعودة للخُلق الطبيعي في ملكة النقاش والحوار والإقناع التي تميَّز بها العرب عن غيرهم.
كتبتُ هنا في سبتمبر 2015 مقالاً بعنوان (حاور طفلاً تكسب رجلاً)، على اعتبار أنَّ الحوار يبدأ من البيت، بتربية الطفل بعيداً عن الصراخ وإلزامه بتنفيذ الأوامر دون منحه فرصة الحديث والمُناقشة والمُراجعة، فليس بالضرورة أنَّ الحوار وطرح الرؤى جدال أو اعتراض من الابن، بقدر ما هو دليل على الوعي والفهم وعلامة حياة على الأب دعمها وتعزيزيها، وتجويدها بالآداب التي تمنح الطفل ملكة الحديث وقوة الحجة، مُتقبلاً لاختلاف الآخرين معه في الرأي وأنَّ ذلك لا يُفسد للود قضية، فليس بالضرورة أن تنتهي حواراتنا بخلاف، فكل رأي لا يخالف دينا ولا يضرُّ وطناً ولا يُعارض نظاماً وقانوناً ولا يُثير فتنة هو قابل للطرح والنقاش والتقبل والتمحيص.
مع صغيرك اليوم اترك مسافة كافية لسماع رأيه، تأكد من مُراعاته لآداب النقاش والتزامه بمستوى الصوت وحدته ونبرته، علّمه فن الإنصات وعدم مُقاطعة الآخرين، أشعره بأهمية الفهم وترتيب الأفكار قبل الطرح والكلام، تقبل رأي الغير كحق لهم وليس كحقيقة ثابتة عنَّا، سيجعلنا نعيش حياتنا الشخصية بطريقة أفضل وأكثر هدوءًا واستقراراً.
وعلى دروب الخير نلتقي.