عبد الله باخشوين
التقيت الأستاذ الكبير المرحوم عبدالفتاح أبو مدين أول مرة في عام 1391، حين بدأت تجربة العمل الصحفي في جريدة (عكاظ).. بعد أن اقترح الأستاذ الكبير عبدالله الداري تعيينى محررًا متفرغًا.. ووافق الأستاذ عبدالفتاح - مدير إدارة جريدة (عكاظ) على (عملى) شرط ألا يزيد (مرتبى) عن (400) ريال بسبب الظروف المالية الصعبة التي كانت الجريدة تعاني منها حينذاك.. وقام المرحوم الأستاذ علي شبكشي الذي أصبح مديرًا عامًا لمؤسسة عكاظ بتعديل (المرتب) لأربعة أضعاف.. وكان ذلك من أوائل قراراته الإدارية.. وكنت التقي الأستاذ أبو مدين أحيانًا خارج الجريدة بصحبة الصديق سالم أحمد بن محفوظ.. غير أن تواصلي معه بدأ من عيادة الدكتور عبدالله مناع وكثيرًا ما كنا نلتقى بصحبة الشاعر المرحوم محمود عارف والفنان التشكيلي الرائد المرحوم عبدالحليم رضوي والشاعر يحيى توفيق وغيرهم من رواد مجلس (عيادة المناع) التي شهدت ميلاد تكليف المرحوم عبد الفتاح بالإشراف على (عكاظ الأسبوعي) بعد ترك موقعه الإداري.. وجاء (العدد الأسبوعي) كمحاولة لتقليد (نموذج) جريدة (الأخبار) المصرية و(أخبار اليوم) التي تصدر عنها.
وفي محاولة لإخراج عدد (الاثنين) من (عباءة) العدد اليومي قام الدكتور المناع بتصميم الشكل الأساسي للصفحة (الأولى) وعدد من الصفحات (الثابتة).. وذلك اعتمادًا على خبرته الصحفية الطويلة حيث سبق له أن (ناب) عن المرحوم الأستاذ عبدالمجيد شبكشي رئيس تحرير جريدة (البلاد) في عدة مناسبات وكلفت بالإشراف على تنفيذ ذلك (الماكيت) باعتبار أننى (المحرر) الوحيد الذي تم نقله للعمل في العدد الأسبوعي.. وكنا وحيدين في (العدد) قبل أن يأتي المرحوم بالزميل (عبدالله السقاف) مشرفًا على الصفحة الفنية..
وفي (ملاحظة طريفة) وجدت أن الأستاذ حين دوّن سيرته الصحفية (تلك الأيام) تجاهل الكثير من التفاصيل المتعلقة بـ(الأسبوعي).. أما أنا فقد تجاهلني تمامًا ولم يذكرني لا من قريب ولا من بعيد.. ولم يغضبني ذلك لأنني بعد فترة وجيزة انتقلت للعمل في مجلة (اقرأ) المؤسسة حديثًا وما زلت اعتبر تجربة عملي الصحفي تحت إدارة أستاذي الكبير عبدالله مناع أهم تجربة في حياتي العملية والإنسانية معًا.. ويكفي أنني هناك اكتشفت جوانب مضيئة من شخصية الرائد الكبير المرحوم محمد حسن عواد.. ولم أكن أظن أنها ستظل مؤثرة في مخيلتي ووجداني حتى هذه اللحظة.
وللحديث عن المرحوم عبد الفتاح أبو مدين لا أزعم أننى من قرائه بقدر ما ادعي أنني كنت دقيق المراقبة لشخصية الرجل ففي الأحوال (الطبيعية) كنت تراه جادًا (جهمًا) أو مفكرًا على الأصح.. إلى أن اكتشفت حجم حبه وتأثره بالرائد العربي الكبير (طه حسين).. وكنت أجد في ذلك مناسبة لفتح آفاق الحديث معه حول قضايا الثقافة وحول تجربته الصحفية التي لم يعاصرها أبناء جيلي.. وكنت أراقب شخصيته (الأخرى) مع أصدقائه وأقرانه أمثال الشاعر محمود عارف.. وبمعية المناع وآخرين حيث يتكشف وجهه الحقيقي ويصبح ودودًا مرحًا تحلوا صحبته ومجالسته.. رحم الله أبناء ذلك الجيل الذي تحتاج إلى صبر دقة ملاحظة.. حتى تصبح قادرًا على رصد مشاعرهم وأريحيتهم.. وتحبهم دون أن يجعلك قناع التجهم تنفر منهم أو تخشاهم.. ذلك أن محاولة كسر فارق السن ومستوى التجربة الثقافية يحتاج إلى قدرة ورغبة في (الإصغاء) وكنت أحاول جاهدًا بالرغم من أني أزعم أنني أنتمي لسياق ثقافي مختلف يتطلع للشعر الحر والأدب الجديد الذي كنا نتلقاه مع النثر الذي يصلنا من أطروحات التجديد والحداثة.. وربما كانت تلك المسافة هي التي دفعته لكتابة كلام جميل عن مجموعتي القصصية (الحفلة) نشر في العدد 130 من مجلة (الحرس الوطني) وعلى ظهر غلاف مجموعة (النغري) اقتطعت جزءًا يسيرًا من وثبته على ظهر الغلاف الأخير مع آراء آخرين كتبوا عن (الحفلة).. رحم الله أستاذنا الكبير وأسكنه فسيح جناته.. إنه على كل شيء قدير.