د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
لم يعد مفهوم الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين يقتصر على المجال الحكومي الممثل بسفارات وقنصليات الحكومات الرسمية لدى الدول الأخرى، خاصة بعد ظهور التقنيات ووسائل التواصل الحديثة التي غيرت إلى الأبد حياتنا داخل هذه القرية العالمية، حيث أصبح المزيد من المواطنين والجماعات المناصرة يقومون بدور نشط في العلاقات الدولية، إلا أن من الآثار المترتبة على هذا التغير هو فقدان «الدبلوماسية التقليدية» مكانتها كميسر رئيس للاتصالات والاتصال عبر حدود الدولة حيث كانت تاريخيًا ضرورة للدول لأداء السلك الدبلوماسي الرسمي لمهامه، وقد حل إلى جانب المفهوم التقليدي للدبلوماسية مفهوم الدبلوماسية الشعبية «Grassroots Diplomacy» التي يعرفها أستاذ الدبلوماسية العامة الأمريكي «نيكولاس ج. كول» بأنها تعني بفهم وإشراك والتأثير في الجماهير الأجنبية على مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالديمقراطية والاقتصاد والحرب والنزاعات المحتملة عبر الحدود.
وعلى الرغم من المواقف الرسمية العدائية المعلنة بين حكومتي بني فارس وبني إسرائيل والتصريحات الشرسة التي دأب على إطلاقها قادة الحكومة الإيرانية الداعية إلى محو دولة إسرائيل من الوجود وما يقابلها من الجانب الإسرائيلي من تهديدات معاكسة بتوجيه ضربات عسكرية موجعة لإيران، إلا أن جسور «الدبلوماسية العامة» أو مفهوم «الدبلوماسية الشعبية» تعمل بعكس الاتجاهات الرسمية المعلنة وتمد يدها من خلف الستار للتواصل مع أفراد وجماعات من المواطنين من كلا الشعبين، حيث يأتي ذلك على شكل مبادرات تبدو للوهلة الأولى بأنها غير رسمية ويطلقها قادة الحراك السلمي من الشعبين.
ويلعب الإسرائيليون ذو الأصول الإيرانية دورًا رئيسًا في إعادة بناء العلاقات بين الشعبين من خلال التخطيط المنظم للتفاعل مع الجماهير الإيرانية والتأثير فيهم، وذلك لبناء علاقات مدنية - تبدو شعبوية محضة- وتسعى لبناء وتطوير جسور من التواصل وتوطيد العلاقات والمساعدة في فتح حوار بين الشعبين وإبعاد شبح الحرب بينهما، مستفيدين من تقنيات وأدوات الاتصالات الرقمية بشكل كبير في الوصول إلى الجماهير، مثل مواقع الويب والمدونات وأدوات شبكات التواصل الاجتماعي والعديد من برامج منصات الراديو الموجه باللغة الفارسية مثل برامج «Radio Radisin» الموجه للناطقين بالفارسية من غير اليهود، وذلك للتعريف برؤية إسرائيل والتأثير في مفاهيم وقناعات الجانب الآخر.
لعل من المبادرات الأكثر شهرة في إسرائيل والمكرسة لمنع الحرب هي مبادرة «إسرائيل المحبة لإيران» التي نشرها مصمم الجرافيك «روني إدري» الإسرائيلي على صفحته بالفيس بوك بما نصه «الإيرانيون - لن نفجر أبدًا بلدكم - نحن? أنت» وقد قوبل ذلك بردود محبة مماثلة من الإيرانيين، وكذلك مبادرة «مجموعة الصداقة الافتراضية بين إيران وإسرائيل» المصممة للراغبين في بناء روابط ثقافية مع الشعب الإيراني.
لقد غيرت العولمة، إحدى الكلمات الطنانة للسياسة المعاصرة، الأفق الدبلوماسي بشكل كبير وعززت من نشاط «الدبلوماسية الشعبية» التي بدأها الإسرائيليون ذو الأصول الإيرانية نحو الشعب الإيراني، وما شعارات المتظاهرين الإيرانيين المتكررة كـ»الموت للدكتاتور» وشعار «لنخرج من سوريا، فكروا فينا» أو شعار «أعطي حياتي لإيران وليس غزة، وليس للبنان»، إلا أحد نجاحات هذه «الدبلوماسية الشعبية» الإسرائيلية التي كشف فيها المتظاهرون من الشعب المستهدف عن حالة من الاستياء والكراهية لنظام دولة الولي الفقيه.