د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن المفارقات حول سلسلة رؤساء أمريكا التي كتبنا عنها في هذه الصحيفة الموقرة. ففي عام 1976 ترشح الجمهوري رونالد ريجان للرئاسة منافسًا للرئيس حينها الجمهوري جيرالد فورد على ترشيح الحزب الجمهوري، ولم تجرِ العادة أن يحدث مثل ذلك، أي أن ينافس الرئيس القابع في البيت الأبيض أحدًا من الحزب ذاته، ولكن ربما أن ريجان رأى أن فورد كان ضعيفًا؛ فمن المعلوم أنه لم يفز بالرئاسة، بل وصل لها بعد استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون؛ وبالتالي أصبح نائبه فورد رئيسًا حسب الدستور. ولم ينجح ريجان في مسعاه، ولكنه عاود الكرّة في عام 1980، وفاز بالرئاسة. وبما أنه ممثل سابق فقد كان نجمًا أمام الكاميرات، وخطيبًا مفوهًا، لا يشق له غبار، وقد غطى ذلك على ضعفه السياسي.
وكثيرًا ما واجهتُ أسئلة حول انتقادي لريجان؛ فهناك من يخلط بين الكفاءة السياسية والمقومات الشخصية، مثل امتلاك الكاريزما والفصاحة، وخلافها.
لم يكن ريجان، الذي حكم فترتين رئاسيتين (1981- 1989) من سياسيي العيار الثقيل. هذا، ولكنه عوّض ذلك باختيار مساعديه وأركان إدارته من الساسة الكبار، مثل نائبه جورج بوش الأب، وأليكساندر هيج، وجيمز بيكر، وجورج شولتز، وكاسبر واينبرقر، ووليام كيسي؛ فشكلوا فريقًا قويًّا، جاء بعد حالة ضعف في عهدَي الرئيسَين جيرالد فورد وجيمي كارتر، وانعكس ذلك على عهد ريجان، وفاز هو بالإشادات داخليًّا وخارجيًّا. ومن المسلَّم به أنه تعب صحيًّا في أواخر فترته الرئاسية الثانية، ولم يعلم الشعب عن ذلك؛ فقد تمكن أركان إدارته، وبخاصة نائبه بوش الأب، من تغطية دور الرئيس الذي اتضح لاحقًا أنه كان يعاني من بدايات مرض فقدان الذاكرة، ولكنها أمريكا، دولة المؤسسات، التي تجاوزت تلك المعضلة، كما تجاوزت غيرها.
وخلاصة الحديث هي أن ريجان غطى ضعفه السياسي بانتقاء مساعدين من طراز رفيع من جهة، وبكاريزما لافتة وموهبة خطابية من جهة أخرى؛ فأصبح رئيسًا يشار له بالبنان.