بدأت المشاريع الوحدوية العربية الحديثة تتبلور في القرن العشرين (الماضي) - كتزيين للقيم والأهداف النبيلة من النظرية إلى الواقع باعتبار قضية الوحدة العربية نقيض واقع التجزئة، وهُنا يمكن ملاحظة أسباب نشأة المجلس، ونقلاً عن كتاب تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر لمؤلفهُ الأستاذ الدكتور والمؤرخ إبراهيم خليل العلاف، ص291- 292: يمكن ملاحظة ما يأتي: «خلال مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة 1964 جرى الحديث عن ضرورة تحقيق نوع من الاتحاد بين إمارات الخليج العربي وإنشاء صندوق عربي للتنمية يأخذ على عاتقه تطوير المنطقة، وفي 18 شباط 1968 صدر إعلان بإقامة اتحاد فيدرالي بين حكومتي دبي وأبوظبي وينفتح الاتحاد بانضمام الإمارات الأخرى، وخلال سنتي 1978- 1979 راقبت حكومات الخليج العربي التطورات الجديدة الناجمة عن سقوط نظام الشاه واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية1980- 1988، كانت من الحوافز لقيام مجلس التعاون، وأنّ من أسباب قيام المجلس ما هو اقتصادي أيضًا من حيث التغيرات الجذرية في العلاقات الاقتصادية العالمية التي نتجت عن بروز الخليج كمنطقة تنتج ما ينتجه الآخرون - كما أن التغيرات العربية الحرب الأهلية اللبنانية واستقطابها لقوى عربية ومعاهدة كامب ديفيد ونتائجها، ومشكلة الصحراء العربية».
وفي خضم هذه التجاذبات والمتضادات العربية - تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربي في 25-5-1981 بمشاركة المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وسلطنة عُمان وقطر، وتم التوقيع بمدينة أبوظبي، ثم التوقيع على وثيقة قيام مجلس التعاون وإنشاء سبع لجان وزارية في حينها وصدر بيان ختامي يوم 26-5-1981 يحدد الشكل الخارجي للمجلس.
ومنذ تأسيس هذا المجلس العام 1981 وهو محط اهتمام العالم لسببين - ونقلاً هنا عن كتاب تاريخ العرب المعاصر لمؤلفهِ د. محمد علي القوزي، ط1، بيروت، 1999، ص449: «الأول - أهمية منطقة الخليج العربي كمصدر للطاقة وسوق دولي مؤثر في الاقتصاد العالمي، وأكبر منطقة إنتاج واحتياط للنفط. فقد أثبت أن ثلثي الاحتياطي للنفط العالمي هو في هذه المنطقة. كما أن هذه المنطقة صلة الوصل بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. والثاني - حققت دول التعاون الخليجي خطوة هامة في العمل الوحدوي العربي، فالعلاقات المتينة بين دول التعاون الخليجي تجاوزت مفهوم التنسيق التقليدي لتخطو خطوات مهمة على طريق التكامل وبناء القاعدة القوية للعمل المشترك - وقد أكدت دورات القمة لدول مجلس التعاون الخليجي منذ الدورة الأولى في أبوظبي عام 1981 وحتى وقتنا الحاضر، وكذلك النتائج التي توصلت إليها هذه المنطقة الإقليمية تغلب العقل والحكمة على الأحداث الساخنة التي تعرضت وتتعرض لها المنطقة».
يمكن القول:
تاريخيًا: بادرت الكثير من الأقطار العربية لدعم أقطار الخليج العربي ومنها وطني العراق.
سياسياً: الوحدة العربية باعتبارها هدفاً مركزياً من أهداف النضال العربي وضرورة أساسية لتمكين الأمة العربية من مجابهة الأخطار ولبناء مجتمع حّر وموحد وتتعرض اليوم الأمة العربية إلى محاولات خطيرة للتشويه والتزييف تستهدف إفراغها من مضمونها وتحديدها في هياكل شكلية، ومجلس التعاون استطاع أن يسُد هذا الفراغ بوحدة سياسية واقتصادية وثقافية في المشرق العربي.
أما بخصوص ما يحدث من خلافات داخل البيت الخليجي مؤخرًا -والخلاف هنا ليس بشيء جديد بلّ هو منذ أن قامت البشرية- الذي بدأ يؤثر على مفهوم الأمن العربي الذي أصيب بنكسات خطيرة ومنذ ما حدث في 2 آب- أغسطس1990 وما ترتب عليه العام 1991 وتصريحات الرئيس الأميركي «بوش الأب» في بداية عصر من نوع آخر في المنطقة ومؤخراً مشروع الشرق الأوسط الجديد ومحاولة تفتيت الدول القومية ذات النظام المؤسساتي والأمني أيضاً، التي انتهت بما يُسمى بالربيع العربي كما أننا هُنا لا ننكر حق الشعوب في التغيير وتقرير إرادتها بنفسِها ولكن يا حبذا أن يكون من دون دعم خارجي من أي جهةٍ كانت. وإلا لن يصبح تغييرا حقيقيا بل سيقود إلى نزاعات داخلية متنوعة.
اقتصاديا: العصر الحالي عصر التقنية والاقتصاد ومن يمتلك الاقتصاد يمتلك السياسة وتحاول دول المجلس أن تبرز دورها في القرن الحادي والعشرين، فقد عملت على توثيق الصلة مع الدول الصناعية الكبرى وجلب الاستثمارات بشتى المجالات، يضاف لها أن هذه الدول الكبرى تستورد القسم الأعظم من احتياجاتها النفطية وحيث توجد أكبر الأسواق العربية استهلاكاً للسلع. وبالرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أن الدول الكبرى تفرض ضرائب باهظة على منتجات الخليج على عكس دول الخليج فإنها لا تفرض نفس الضريبة، حتى تسمح بتسهيل التبادل التجاري الخارجي، ولا يمكن إنكار دور النفط الذي أغلب الصناعات تعتمد عليه في الوقت الحاضر - إن المادة النفطية تكاد تكون أكثر مادة لافلزية يمكن تحويلها إلى أعداد لا حصر لها من المشتقات التي تخدم الإنسان الخليجي بالوقت المعاصر وتحقق السلام للمنطقة خصوصا والعالم عموما. يضاف لها التكامل المؤسساتي والدستوري ليناغم التكامل الثقافي والقومي لدول الخليج العربية.
اجتماعياً: العلاقات متكاملة بين دول مجلس التعاون ومجتمعاتها ومؤسساتها وأنظمتها متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية ويجمعها وحدة المصير والهدف المشترك. كما أن ظهور النفط لم يُغيّر من عاداتها وتقاليدها وهي الآن تواكب ما بين الأصالة والمعاصرة معاً.