في ظل الانخفاض في الأداء الاقتصادي الذي تمرّ به البلدان الصناعية الكبرى، فإن الحديث عن الاقتصاد الجديد يحقق انتشارًا متزايدًا في كل مكان وعلى كل لسان.
وهناك اليوم تغير جذري في نظرة العالم إلى الاقتصاد القديم، إذ يحاجج المدافعون عن مفهوم الاقتصاد الجديد بحدوث تحول من اقتصاد الموارد إلى اقتصاد المعرفة، وذلك على أساس أن القدرة على الوصول إلى المعلومات ومعالجتها وتحويلها أصبحت مكونًا أساسيًا في صناعة النمو الاقتصادي، على حد قول ديانا فاريل مديرة معهد ماكينزي العالمي في سان فرانسيسكو.
إن الانتشار السريع لشبكة الإنترنت مقرونًا بالتطورات الهائلة في تقنية المعلومات قد بلغ بالفعل أبعاداً غيّرت وجه الحياة الإنسانية، وخاصة في جانبها الاقتصادي.
فالإنترنت تتيح كمًا عظيمًا من المعلومات ومدخلاً أكثر فعالية لتنظيم المعرفة وتوظيفها بطرائق ما كانت لتخطر على بال قبل أعوام قليلة ماضية، ويتجلى أعظم الأثر في مجال ما يسمى بسلسلة القيمة.
إن مصطلح الاقتصاد الجديد يعود في الأصل إلى فترة الثمانينيات حين كان يشير إلى انتقال محركات الاقتصاد من التصنيع إلى قطاع الخدمات. هذا الانتقال صاحبه الكثير من المخاوف عن تباطؤ الإنتاجية الذي سيخلفه اقتصاد الخدمات، نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور وتدني معدلات النمو.
وفي عام 1996م نشر مايكل ماندل مقالة في البيزنس ويك بعنوان (انتصار الاقتصاد الجديد)، أكدت على نشوء اقتصاد تحركه التقنية، اقتصاد سريع النمو تنخفض فيه معدلات التضخم، أسماه (الاقتصاد الجديد)، وهو اقتصاد يختلف تمامًا بالمضمون عن اقتصاد الخدمات.
ثم إن انتشار التقنيات الحديثة عبر القطاع الصناعي الواحد يخلف أثرًا لافتًا على الإنتاجية.
ففي قطاع التجزئة -على سبيل المثال- كان العديد من الشركات سريعًا في تبني ماسحات وقارئات خطوط الترميز ونماذج تخطيط موارد المشروع ERP في مجال الموارد البشرية والرواتب والتقارير.
هذه النظم ساعدت على أتمتة العمليات التي كانت تتطلب في الماضي طواقم عمل ضخمة، الأمر الذي أفضى إلى تخفيضات كبيرة في تكاليف اليد العاملة في مختلف قطاعات الصناعة.
ولا يخفى أن استثمارات تقنية المعلومات تعتمد بعضها على بعض، وفي الغالب بطريقة معقدة، فالشركات التي تنفذ تطبيقات جديدة متطورة ومكلفة قبل أن تجهز الأساس اللازم، ستكون عرضة لخيبة الأمل، فهي إما أن تفشل في تحقيق الفوائد المتوقعة أو أن تجد نفسها في عمليات التجديد مرة أخرى، في حين أن الشركات التي تسير على نهج منظم وتسلسل استثماراتها بعناية تحصل غالبًا على عوائد عظيمة.
إن منهج وال - مارت (التغيير التدريجي) في مجال الاستثمار في تقنية المعلومات خلال فترة التسعينيات هو مثال ساطع في هذا المجال.
أولاً: نفذت الشركة البرمجيات اللازمة لإدارة تدفق المنتجات وتخزينها عبر شبكة مورديها ومخازنها واسعة الطيف، وحالما قامت بأتمتة تدفق المنتجات ركزت على استخدام تقنية المعلومات في التنسيق بين عملياتها وعمليات مورديها بشكل أكثر إحكامًا، وبذلك رفعت من كفاءتها بحد كبير.
وبهذا التنسيق الأكثر انسيابًا استطاعت وال - مارت أن تستثمر بكفاءة في التقنية لتخطيط مزيجها السلعي وإعادة تجهيزه. أخيراً، بعد مكاملة كل هذه القدرات تبنت الشركة إنشاء مخزن للبيانات يستخدم المعلومات المستقاة من مجموعة من المصادر لمعالجة الاستفسارات المعقدة.
ختاماً أقول: يعتمد نجاح استثمارات تقنية المعلومات على الخصائص المحددة للصناعة وعلى الممارسات الخاصة بكل شركة على حدة. ولأجل أن تحقق تقنية المعلومات ما هو مأمول منها ينبغي أن يطبقها المستخدمون والباعة بتعقل وأن يعملوا على تكييفها مع القطاعات ومشاريع الأعمال فرادى ودمجها مع غيرها من الابتكارات في المنتجات، وسيكون التحدي هو استخدام النظم الحالية بشكل فعال وفي الوقت نفسه، القيام بالاستثمارات الجديدة المنشودة التي تقوي عنصر التميز وتدعم الميزة التنافسية.
فتنقية المعلومات لا تحمل الفرح للجميع، ولكنها إن وجهت بالشكل الصحيح، فبالإمكان أن تكون سلاحًا تنافسيًا مهمًا.