د. محمد عبدالله العوين
وفي رسالة طريفة مؤرخة بـ 15 / 7 / 1397هـ شنَّ الأخ عبد الرحمن - رحمه الله - هجومًا لاذعًا على أحد مشرفي الامتحانات في المعهد العلمي بالحوطة؛ فهو يكيل المديح لرئيس اللجنة لتسامحه وتعاونه مع الطلاب «لكن الفاجر (نبيل) هو رأس الفتنة؛ وذلك لكِبَر تقديره أمام رئيس اللجنة».
ولا ينسى أن يشرح ما حدث له أثناء كتابة رسالته هذه؛ فيقول: «.. ولا تؤاخذني في الأسلوب والخط؛ فقد انكسر القلم الواحد والعشرون، وكتبت بالناشف. والكتابة قبل صلاة الجمعة؛ لأن بعد الصلاة سوف (يقلط) عندنا أناس، ولم أستطع إلا الكتابة في هذا الوقت الضيق، ولا أجد من يذهب به إلى الرياض إذا صلينا الجمعة».
كان الأخ عبد الرحمن شديد المحافظة، ملتزمًا بالتقاليد، حريصًا على التمسك بالضوابط الدينية، سمحًا، بشوشًا، محبًّا للنكتة، قادرًا على اكتساب صداقة جديدة بيُسر وسهولة؛ لما يتكشف لمحادثيه من طيبته وصدقه.. ولكنه أيضًا صريح مندفع إلى قول ما يراه حقًّا؛ ففي إحدى الليالي الجميلة كان في ضيافتي عدد كبير من الزملاء والأصدقاء على العشاء، ومن جميل المصادفات أنه كان في زيارة لنا في الرياض؛ فحضر تلك الجلسة، ويبدو أنه لم يكن مرتاحًا لسياق الحديث؛ فاستأذن بعد أن تناولنا طعام العشاء مع الضيوف، ونام في منزلي، ولكنني وجدت في الصباح الباكر منه رسالة من ثلاث صفحات، يعرض فيها لأفكار بعض الحاضرين الذين ناقشوا قضايا لم ترُقْ له، ويوجِّه اللائمة لي لأنني لم أنكر على بعضهم التدخين في المجلس.
لأنتقل الآن من رسائل الأقرباء والأصدقاء إلى رسائل الأدباء؛ فأشير إلى رسالتَيْن من العلامة الأستاذ حمد الجاسر، تتضمنان موقفين طريفين: الأولى مؤرخة بـ 29 / 9 / 1412هـ، وكتب التعليق المضاف على الرسالة المطبوعة بالآلة الكاتبة بخط يده، ينتقدني فيه لعدم إضافتي (ابن) بعد اسمي لأنتسب إلى أبي (عبد الله)؛ فيقول: «بُني الحبيب: قد تستغرب تشبثي بإلحاق (ابن) على ما اعتدت سماعه منك من عدم ذكره عند قراءة نشرة الأخبار؛ ومبعث هذا التشبث أنني أدرك أن حذف تلك الكلمة انتشر بين المثقفين تقليدًا للغربيين الذين ينسبون المرء إلى الأسرة..».
وفي رسالة أخرى مؤرخة بـ 22 / 5 / 1419هـ ينتقدني أيضًا لاختيار (صورة المرأة في القصة السعودية) موضوعًا لرسالة الدكتوراه، ويقول: «وكان ينبغي أن تصرفوا جهدكم فيما هو أعم وأشمل فائدة مما يتعلق بدراسة أحد جوانب اللغة العربية في مصادرها القديمة...». وإنني بعد مُضي عشرين عامًا على نَيْلي الدرجة بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى نادمٌ كل الندم على اختياري هذا الموضوع؛ وأتفق مع الشيخ حمد في أن قضايا اللغة أو المقال أو الصحافة الأدبية أو المعارك النقدية خيرٌ وأبقى من دراسة قضية المرأة في السرد الروائي التي يكفيها مقالٌ علمي مطوَّل، يُغني عن 1800 صفحة، كتبتها في تلك الرسالة، استغرقت من عمري ست سنوات، ما بين عامَيْ 1414- 1419هـ.