كان حلمه أن يؤلِّف كتاباً، لم يفكر بماهية الكتاب مطلقاً، مجرد كتاب عليه اسمه، فكر أن يشرع في الكتابة عندما وصل لسن دراسية تؤهله أن يكتب بصورة جيدة، ذهنه خاو تماماً، فكان قراره أن يبدأ بالنقل، في البدء بدأ بكتابة آيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية، ثم مقاطع شعرية من الشعر القديم، وبعض الحكم والأمثال، استغرق الجمع هذا أكثر من سنة، اجتمع لديه عدد كبير من الأوراق، في وقته لم يكن الحاسب الآلي وجد بعد، فكان شكل الأوراق بمقاساتها وألوانها وأشكالها المختلفة لا توحي بأنها نواة لكتاب، لذا قدم تلك الأوراق لناسخ ليقوم بصفها على الآلة الكاتبة، وطلب من آخر أن يصححها ويتأكد من سلامة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بلغ عدد الصفحات أكثر من خمسمائة صفحة، دفع قيمة صفها وتصحيحها للرجلين، خطوة بسيطة ليصبح مؤلفاً، له كتاب باسمه، ولكن لم يفكر بعد بعنوان، سأل بعض أصدقائه عن عنوان مناسب لكتابه، وأخبرهم بأن الكتاب مقتطفات من القرآن والسنة والشعر والنثر، سأله أحدهم «هل هنالك منهج لتلك الاختيارات، فقال « لا.. هي اختيارات أعجبتني وقمت بتجميعها ليطلع عليها من يصله كتابي» فقال له ذلك الصديق «إذا ليكن العنوان.. اختيارات أعجبتني» فقال» ولكن هذا العنوان لا يعطيني صفة المؤلف» فرد عليه صديق آخر وكان أكثر حدة « ولكنك لست مؤلفاً.. أنت ناقل ومجمّع» ورغبة للوصول إلى حل يناسب الجميع اقترح صديق ثالث بأن يكتب مقدمة يتحدث بها عن قراءاته ولماذا اختار تلك المقولات ومدى أهميتها للقارئ، كان رأيه صائباً أجمع عليه الأصدقاء، ولكن بالنسبة له فهو مأزق، هو لا يعرف أن يكتب سطراً واحداً فكيف بمقدمة طويلة لا يقل عدد الأسطر بها عن مائة سطر، بدأ يبحث في الكتب عن مقدمات مناسبة ليقوم بنقلها مع بعض التغيير، لم يجد مقدمة مناسبة، ولا مشابهة لما قام به، حينها بحث عن من يقدم ذلك الكتاب من الأسماء المشهورة والتي عرفهم القراء وتداولوا كتبهم، ولكن بدأت تصله الاعتذارات المتتالية، فكر أن يعرض على بعضهم شيئاً من المال ليكون محفزاً لكتابة المقدمة، ولكن كان الرفض، عدا واحد أخذ تلك الأوراق المصفوفة ليطلع عليها وليقرِّر بعد ذلك هل يكتب المقدمة أم لا، بقيت تلك الأوراق عنده مدة من الزمن، وعندما سأله عن قراره بكتابة المقدمة موضحاً بأنه سيعطيه ما يطلبه من مال، اعتذر ذلك الاسم المشهور بعدم اطلاعه بعد على الكتاب، لانشغاله وسفره، ولكنطلب أن يبقيه عنده فترة من الزمن وسيقرأه، باعثاً في داخله كثير من الأمل بأنه سيسعى لكتابة المقدمة المناسبة لكتابه، انتظر صاحب الكتاب عدة أشهر أخرى لتعود إليه أوراقه بدون مقدمة بحجة أن ذلك المشهور لا يملك وقتاً لقراءتها، كانت أشبه بالصدمة آفاق منها وبحث عمّن يكتب له مقدمة بمقابل مثل أولئك الذين يكتبون البحوث والرسائل الجامعية بمقابل، وجد واحداً رضي أن يكتب له المقدمة، دفع له مبلغاً كبيراً لقاء ذلك، أعطاه الأوراق ليطلع عليها ويكتب المقدمة، لكن ذلك الرجل لم يطلع مطلقاً على تلك الأوراق وكتب مقدمة تصلح لأي كتاب، قدمها له مطبوعة لتعتلي أوراقه، قدم تلك الأوراق لصاحب مطبعة، الذي اطلع عليها، وقال له إن الاختيارات لا بأس بها، ولكن المقدمة باهتة، كأنها كتبت لكتاب آخر، وطلب منه وهو يقول له بإخلاص «هذه نصيحة من خبير.. المقدمة غالباً هي البوابة للكتاب.. ومقدمة كتابك أشبه بباب مخلوع»، حمل أوراقه يائساً، ثم رجع لأصدقائه بعد أن صور أوراقه عدة صور بدون المقدمة، وطلب من كل صديق أن يطلع على تلك الأقوال المختارة ويكتب انطباعاً موجزاً عمَّا أعجبه منها، ليستفيد من آرائهم، في المستقبل، تقبل الأصدقاء ذلك بصدور رحبة، وقدموا له تلك الانطباعات ليضمنها مباشرة تلك المقدمة دون الإشارة لهم، وقبل أن يقدمها لصاحب المطبعة فكر بعنوان، وقرَّر أن يكون من ابتكاره الخاص فاختار «سنابل الفرح» عنواناً لاختياراته.
طُبع الكتاب ووجدَ اسمه مزداناً على العنوان، وحقق رواجاً كبيراً وليصبح من كبار الكتاب المشهورين، وكل ما أبدعه عنوان الكتاب فقط.
** **
- عبدالعزيز الصقعبي