اعتماد اليونسكو الذكاء الاصطناعي كأحد مواضيع الفلسفة في يومها العالمي للعام2019 ينبئنا عن همّ كبير في علاقة الفلسفة بالعلم، فلم يكن الذكاء الاصطناعي إلا أحد إبداعات العلوم التجريبية في كل مجالاتها البيولوجية والفيزيائية، وبالتالي فإن هذا الإبداع العلمي المادي يشتبك بالإنسان غير المادي بل إنه يضايقه في كثير من أموره الحياتية مما جعله يفرض ذاته عليه ليدرسه ويفكر فيه فلسفيًا.
ولعل المجالين الأكثر أهمية في نقاش الفلسفة للذكاء الاصطناعي يظهر في: الأخلاق والوعي.
الأخلاق باعتبارها الموضوع الذي تتمحور عليها الفلسفة منذ نشأتها كعلاقة بين الإنسان والإنسان، وهنا في الذكاء الاصطناعي سيظهر نقاشها بين الإنسان والآلة، فالذكي اصطناعيا بات يهدد الوظيفة التي يعتاش بها الإنسان، بل إنه صار مُهَدِدًا بفصله من الوظيفة كما حصل مع شركة أمازون التي طورت أجهزتها المراقبة لموظفيها بأحقية حكم الجهاز على أداء الموظف مما يجعله يحكم بفصله من عمله فيتم فصله، كما أن الأخلاق مع الذكاء الاصطناعي تتماس بالقوانين، فعند خطأ الذكاء الاصطناعي هل تتم محاسبة الروبوت الذي أخطأ أم يحاسب الذي صنعه؟!
ويمكن لنا أن نفكر في إشكال الأخلاق في الذكاء الاصطناعي باستحضار إشكال (الوعي) في البحث الفلسفي المعاصر، وينبني هذا على علاقة الدماغ البشري بالحاسوب؛ مما جعل العديد من الفلاسفة والعلماء الماديين يعتبرون الدماغ آلةً ويعتبرون الآلةَ دماغًا، ومن هنا نشأ البحث في (فلسفة العقل) حول علاقة الحاسوب بالدماغ، فكتب روجر بنروز (العقل والحاسوب) كنقاش مؤسس لهذه الإشكالية المعاصرة التي باتت تنمو في أقسام الفلسفة المعاصرة. ومن هنا يناقشون (الوعي) باعتباره ميزة بشرية ليست متاحة للذكاء الاصطناعي حتى وإن أتيحت له العديد من سمات البشر كالتفكير في البيانات المدخلة في الآلة وإصدار حكم بناءً عليها، وهي السمة ذاتها في الدماغ البشري، إلا أن الآلة/الروبوت لا تعِ هذا الشيء الذي تتعامل معه، ولا تعِ تلك الأنظمة التي أصدرتها.
ولهذين المجالين: فلسفة الأخلاق؛ وفلسفة العقل يحضر النقاش الفلسفي للذكاء الاصطناعي، وبالخصوص في حيرة الفلاسفة في إشكالية (العقل والجسد) أو (الوعي).
ويمكن لنا أن نعتبر الذكاء الاصطناعي أحد أهم المنجزات العلمية المعاصرة التي تحتاج الفلسفة لنقاشها، لكونه جمع العلم التجريبي في عمل هذا الروبوت، وجمع الفلسفة والتفلسف لعلاقته بحياة البشر. وبالرغم من حضور العديد من القضايا العلمية المعاصرة التي تتماس بالفلسفة كالبيوتكنولوجي إلا أن الذكاء الاصطناعي أكثرها حضورًا لتطور الإبداع فيه، ولشساعة القوانين في التعامل معه بعكس البيوتكنولوجي الذي تحد من تطوره.
** **
- صالح بن سالم