تقول الأسطورة السومرية: غَضِبَ «الإله مردوخ» -إله القوة عند السومريين على «الإلهة عشتار» إلهة الخصب والحب والعطاء فضربها بسيفه.. فتفجر نهديها دجلة والفرات.
هل يوجد أجمل من هذا التوصيف للعراق؟ .. هذه القطعة من الكون المسماة «عراق»؛ التي باركتها عشتار بنهديها؛ فأنشأت أول حضارة في التاريخ؛ والتي ألهمت ولا تزال كل البشر لسلوك درب البناء والازدهار؛ ترفض التقهقر والخنوع لقوة وظلم «مردوخ»؛ وستبقى من ولادة إلى أخرى أكثر حداثة! وأظن جازماً أن اسم عراق مشتق من عَرَقْ من نذروا أنفسهم لبناء وإعادة بناء الحضارات.
الآلهة لا تموت! وبقي مردوخ يحاول قهر الحضارة والتطور، بل فرخ آلاف المرادخة والمافيات؛ يحاولون بالحروب والمؤامرات والمرتزقة؛ إيقاف عجلة الازدهار والانبثاق من جديد في العراق؛ ومحاولة قتل عشتار مرّة تلو الأخرى. ولكن عشتار أيضاً لا تموت! مهما تسلط على عنقها من سيوف! وكلما صعِقَتْ بصاعقة؛ تزداد «إصراراً على النهوض» وتزداد عنفواناً وجمالاً وانتشاراً في بقاع الأرض كلها!
لقد جن جنون أعوان «مردوخ» بعد ثورة الشعب العراقي في 1958، ورقص السفير الأمريكي «مردوخ الجديد» آنذاك فرحاً بعد نجاح الانقلاب الفاشي ضد عبدالكريم قاسم في 1963، وبقي العراق «يذخر الرعود»- كما قال السياب- ولم تسلخه سنين الحروب والقهر والاحتلال عن عشتار، وها هو ينبثق من جديد رغم الدماء.
يقول السياب:
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
ويهطل المطر...
«المراديخ الجدد» أدركوا جلياً خطر تفجر «نهدي عشتار» من جديد، فهذه المرّة ستملأ الفيافي والقفار أنهاراً، بل طوفاناً يُغرق كل من تسوّل له نفسه إيقاف الحب العشتاري!... قد يتساءل سائل: لماذا هذه المرة؟ والجواب بسيط؛ فهذه المرّة استخدم «مردوخ» الخارجي والداخلي كل سيوفه وكل ما لديه من مخزون قوة لإعاقة الثورة، ولم يبق في جعبته ما يعيق نهوض «عشتار» القادم لا محالة عما قريب.
يقول المثل الشعبي العراقي: «مثل اليلم الماي والكفة خالي».
** **
- عادل العلي