ونحن نتشارك الأفكار في وسائل الإعلام الجديد كتويتر, وفيسبوك, وسناب شات, وانستغرام؛ قلّما نتحرَّر من شخصياتنا الحقيقية؛ لذلك نحرص على تأمين فكرة الخصوصيّة ما استطعنا إليها سبيلا؛ فلا نضيف إلا من يعرفنا, ونتصرف بناء علي ذلك بِحريّة على صفحاتنا الشخصيّة؛ لكننا ننسى بأننا في هذه المواقع, قد نلتقي بمن لا يعرفنا حق المعرفة مما يجعل بعض ما نكتبه يظهر -عمدًا, أو بسوء فهم- ضد رغبتنا؛ فيفسر بطريقة خاطئة توقعنا في الحرج, والمساءلة؛ وهذا ما أسماه (مايكل وش) بـ(انهيار السياق).
فلو كتب أحدهم منشورًا على سبيل المزاح, أو الجد؛ لأنّه يعلم أنّ أصدقاءهُ على تويتر- مثلاً- يعرفون طريقة تفكيره؛ قد لا يمر الموضوع بسلام؛ لأنّ هناك شخصًا قد لا يعرفه جيّدًا يقوم بتصوير منشوره, ونشره لجمهور غير الجمهور الذي استهدفه الكاتب عندما كتب, ثم يخرج الأمر برمته عن سياقه الحقيقي؛ لأنّ من سيقرأ المنشور المصور، ستكون قراءته له منفصلة عن السياق المخصص له؛ فيؤول ظاهر الكلام عن مقصد صاحبه، وينهار السياق, وهذا من أخطر الظواهر التي انتشرت مع وجود مواقع التواصل.
يذكرنا هذا المقام بقصة تغريدة (جستين سوكو) - مديرة العلاقات العامة في إحدى الشركات الإعلامية الكبرى في أمريكا- التي كتبتها في المطار وهي تنتظر الإعلان عن موعد رحلتها لجنوب إفريقيا؛ لتقضي إجازتها مع أسرتها، حيث كتبت:» أنا متجهة لإفريقيا, أتمني ألا أصاب بالإيدز.. أمزح أنا بيضاء».
صعدت (جستين) الطائرة, وبينما رحلتها تحلِّق بها في الجو؛ صوّر أحد المتابعين تغريدتها, وأرسلها إلى إعلامي شهير لديه متابعون كثر, وتم تدوير التغريدة بغضب؛ لعنصريتها المقيتة.
وفور هبوطها أرض المطار؛ تفاجأت بالعديد من التنبيهات في تويتر لآلاف الردود, والتهديدات بسبب تغريدتها, وأن من بين المغردين من تتبع سير رحلته, لعمل مظاهرات فور هبوطها, كذلك وجدت رسائل من صديقاتها: «اتصلي للضرورة»,»أنا متأسفة لكل ما يحدث لك» ومن أهلها الذين حمّلوها مسؤولية الإساءة لاسم الأسرة الذي ظل يحارب العنصرية طوال مسيرته, كما تفاجأت بقرار فصلها من عملها؛ لأنهم لا يتشرّفون بأن تمثّلهم امرأة بهذه العنصرية المقيتة.
عادت (جستين) بخسارة فادحة بسبب تغريدة لم تتجاوز عدة أحرف, في لحظة انتظار في المطار, في حين كانت تنتظر مشاركة أصدقائها همزها ولمزها على المجتمع العنصري الذي كانت تعيش فيه, ولمعرفة أصدقائها لمزحتها, لم تتوقّع أن هناك من سيأخذ الكلام على ظاهره, ليسهم في تدويره وتعود بكل هذا السخط الذي جعلها تخسر كل هذه الخسارات المتتالية.
لم يعرف طيبة (جستين) ونبذها للعنصرية؛ إلا المقربون منها, أما البقية فقد حاسبوها على ظاهر كلامها, حتى خسرت ما خسرت.
ما حدث لـ(جستين) قد يحدث لأيّ شخص في هذه الفضاءات التي يتلقى فيها رسائلنا جمهور شاسع, بفروق فردية متعددة.
إنّ استجابات الجمهور في هذه المواقع؛ يمكن أن تكون قاتلة, ومؤذية إذا ما جعل السياق ينهار بقصد, أو بدون قصد.
** **
- د . زكية بنت محمد العتيبي