«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
«تان تان» كإيقاع نَغْية مُتهدِّجة استطاعت أن تأتي منسجمة مع الزمن الغِر المُنَغّم, أبَتْ ذاكرة ضيفنا إلا أن تعودَ تتنغمَ طفولتها, مُيمِّة بوجدٍ حاستها المبكار, لنُصيخَ مُرهفين أَسمَاعنَا لدبيب البدايات الطُّهورِيّة. ولكم أن تتخيلوا ما فعل ضيفنا سلطان! قبل أن أروي لكم كل ما حدث قبل عدة عقود: يومها مَادًّا يديه يصافح «الملك أبو لحية، وفطوطة الصغيرة, وتان تان», لكن ما حدث - بعد ذلك - جعل (القحطاني) ذو النخب العالي, لا يلتفت إلى الملك وفطوطة وتان تان! إنما جعله يُعاودَ مدّ يَديه ويتناول «الشّوقيّات» غير أنه يكتشف هذه المرة أنه لم يفهم منه سوى القليل! ويصاب بحالة من الإدمان في مراهقته الفكرية, لم يخرج منها إلا بعد أن تعرف على الشيعة والإباضية والزيدية والسنة. وفي طريق عودته للوطن, وتحديدًا في صالة مطار الملك خالد «قسم الجمارك» كاد موظف الجمارك أن يُحيل كتابه الذي ألّفهُ في الطائف للرقابة!.
ضيف زاوية (ذاكرة الكتب) هذا العدد, صاحب رواية «زائر المساء» و»خطوات على جبال اليمن» وصولًا إلى «سوق الحميدية» إضافة لكونه من أبرز الفاعلين في الفعل الثقافي من خلال الدراسات والأبحاث عربيًا ومحليًا, الناقد الدكتور «سلطان سعد القحطاني» بدأ الحديث حول تجربته القرائية وعلاقته مع الكتب, بعد مرحلة كتب الأطفال التي وردت في المقدمة, فقال: ديوان الشّوقيّات، للشاعر أحمد شوقي، أول كتاب قرأته. فهمت منه القليل ولم أفهم الكثير، كنت وقتها في السنة الرابعة، وجل انشغالي بالإذاعة المدرسية وبرامج الصباح، ومُكبّر الصوت من الورق المقوي. ثم قرأت معظم الكتب من مكتبة المدرسة، في السنوات التي تلتها.
استعرته ثم اشتريته بخمسة ريالات من صاحبه!
وأضاف في حديث البدايات: أول كتاب اشتريته «المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، من مكتبة التعاون الثقافي في الهفوف. وأول كتاب استعرته كان «التيجان» لوهب بن منبه، ثم اشتريته من صاحبه بخمسة ريالات. أما الكتب التي فقدتها كثيرة: وأولها مكتبتي بعد انتهاء انتدابي لصنعاء في صيف 1979م، حيث شحنتها للرياض ولم تصل إلى اليوم؟ وبعضها فقد أثناء التنقل من مكان إلى آخر.. أما المستعيرون: فأكثرهم لا يردُ الكتابَ، وعلى الله العوض, وبين: أنا لا أحتفظ بكتاب أكثر من طبعة، إلا في حالتين: إما مفقود، أو تالف. ولم أجلد كتاباً في حياتي إلا ما ندر، إذا لم أجد له نسخة بديلة. أما أغلب مقررات الجامعة فأحتفظ بها إلى الآن!.
أنا متدين من أسرة متدينة بالفطرة
وكشف «القحطاني» في مراهقتي الفكرية كنت أقرأ كل شيء أمامي, وفي السنة الثانية متوسط, في العطلة الصيفية وقبلها بقليل, أدمنت قراءة كتب المذاهب، فقرأت الإباضية والشيعة والزيدية والسنة، وغيرها. كلما قرأت فرقة من فرق المسلمين تأثرت بها، حتى شعرت بعدم الثبات والخوف -وأنا والحمد لله متدين ومن أسرة متدينة بالفطرة- فوقفت على مفترق الطرق. فتركت كل تلك التيارات، وقلت في نفسي «لماذا أتبع مذهباً والقرآن أمامي!!؟» فقلت قولاً واحداً: الله ربي ومحمد نبيي، صلى الله عليه وسلم، وكفى، والاحترام والتقدير لعلماء الأمة كيفما كانوا, وما علمت أن هذا بداية الحس النقدي في حياتي.
تعرفت على «الطّيب» في لندن
وفي مجمل إجابته عن سؤال تطرق للظروف المصاحبة لأول إصدار قام بتأليفه, وأبرز الصعوبات التي واجهته سابقًا خلال مسيرته القرائية قال: أول صعوبة قابلتني عدم وجود رواية الطيّب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال». كانت -على ما أظن- ممنوعة، فاشتريتها من لندن أثناء دراستي للدكتوراه، ومن ثم تعرفت على «الطيب» وتوطدت علاقتنا في (المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية) حينها كنت عضوًا في البرامج الثقافية, فيما هو يحضر كل سنة, بعد وفاته شاركت في ذكراه في الخرطوم -رحمه الله- كان صديقًا وفيًا طيب السريرة.
في صنعاء كتبت الأول وطبعته
في القاهرة
ومن بين المواقف الصعبة «زمن المنع», أني كنت أشتريها ثم أقرؤها وألخص ما أحتاجه منها, ثم أتركها في القاهرة. كما كان من عادتي في السفر أن يكون معي كتاب، وفي إحدى المرات كان معي أحد كتبي «التيارات الفكرية وإشكالية المصطلح النقدي» وفي العودة -كان الكتاب في يدي- فسألني موظف الجمارك عن الكتاب؟ فأخبرته بأنه كتاب مطبوع في النادي الأدبي في الطائف, فأصر على إحالته للرقابة! فقلت هو مجاز من جهة رسمية. لكنه أصر على رأيه، لولا تدخل زميله بعد أن عرف أنني مؤلف الكتاب, فقدم اعتذاره.. أما أول إصدار قمت بتأليفه «روائع من الشعر العربي القديم» 1977م. كنت مدرساً في صنعاء، طبعته على حسابي في القاهرة في صيف ذلك العام. ولم أعلم بأنه سيعجب القراء!!.
وفي النهاية المخصصة من زاوية (ذاكرة الكتب) لوصية الضيوف بكتاب معين, لم يُشر ضيفنا لأي كتاب, سوى القرآن الكريم, منوهًا: أنا لا أوصي أحداً بكتاب معين، لكني أرشد من يقرأ أن يقرأ الكتاب الذي يعزز اهتماماته، العلمية والثقافية، وأن يقرأ بعين المتدبر وليس بعين المتلقي الموجه، فليس هناك من كتاب أوصي به غير القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.