* تزوجت زواجاً تقليدياً، والدته رأتني في أحد الأعراس، سألت عني وعن عائلتي، وفي الرؤية الشرعية، شعرت بلا شيء تجاهه، وحدث الزواج، لي منه خمسة أولاد، حياتي معه لا تخلو من النكد، المشكلات، والمضايقات، أشعر في أحيان كثيرة بالملل، والطفش وشعور بالاختناق، كثيراً ما أسأل نفسي: إلى هنا تقف الحياة وتنتهي؟! أعمل منذ أكثر من 25 سنة إدارية في إحدى المدارس الابتدائية، زاد من شعوري بالرتابة والملل، فكرت كثيراً بالتقاعد المبكر ولكن لقائي بزميلاتي هو المتنفس الوحيد لي، وكذلك فإن بقائي بالبيت في انتظار عودة الزوج (الممل) سيزيد الأمر سوءا. أولادي كبروا وبدأوا بقضاء أغلب أوقاتهم خارج البيت وبصحبة أصدقائهم، أحس بوحدة شديدة وبملل ملازم لي، وإحساس باللامعنى للحياة، أخاف أن أفصح عن أحاسيسي فيتهمني الناس في ديني، ماذا افعل؟
الحل:
الاستشارات التي يختصر فيها السائل حياته ومعاناته وتجاربه في سطرين، ويطلب من خلالها حل جذري وفوري، أشبه بمن يستعين بعصا موسى أو لمسة عيسى عليهم السلام.
ولأني لا أعلم الغيب فقد وجدت صعوبة في تحديد أولاً تاريخ شعورك فضلاً عن توصيف حالتك وتحديد الأسباب الرئيسة التي تقف خلف معاناتك.
1 - بدأت بتاريخ زواجك وصفتيه بأنه تقليدي أي اختيارك كزوجة جاء بطريقة تقليدية عن طريق والدته، وكأنك تلمحين إلى خلو حياتك من الحرية في اتخاذ أهم وأصعب قرار وهو اختيار الشريك والزوج. فضلاً عن خلو شراكتك معه من مشاعر الحب واللهفة.
2 - وصفتي حياتك معه بالملل والرتابة والمشكلات، ربما تحت ضغط هذا الشعور المسيطر تمت كتابة هذ التوصيف، وإلا فإن حياتك ولاشك فيها أيضاً جوانب جميلة وذكريات حلوة، وأبناء أصحاء.
3 - طبيعة عملك (الإداري) اكتشفت مؤخراً أنها هي الأخرى لا تتناسب مع طبيعتك التي تفضل لقاء الجمهور، والتواصل معهم، ولذا زاد شعورك بالإحباط والملل.
4 - أولادك لم تعرجي لذكرهم إلا بكونهم يقضون وقتهم بعيدين عنك. أوليس هناك جوانب أخرى إيجابية لهم في حياتك؟!
5 - هناك سؤال جوهري: أظنه هو السبب الكامن وراء شعورك البائس هذا، وكل ما سردتيه من مظاهر إنما هي إسقاطات... وهو إحساسك باللا معنى للحياة!
كثير ممن جربوا هذا النوع من الحياة، (لاسيما من أبناء الستينات والسبعينات وحتى منتصف الثمانينات) خضع أفرادها للقيام بأعمال بدافع الواجب، واتخاذ قرارات بإيعاز من المصلحة وتفضيل اختيارات تماشياً مع الأعراف، هؤلاء الذين فعلوا أشياء كاتخاذ قرار الزواج واختيار الزوجة، نزولاً عند رغبة الوالدين، أو اختيار تخصص جامعي لأنه هو المتوفر أو القريب من الأسرة، أو امتهان وظيفة لكونها هي المتاحة، أو اختيار العيش مع عائلة الزوج الكبيرة أو مجاراة الزوج وأهله أو المجتمع في اختيار نمط الحياة ومصادر الثقافة وأساليب التسلية وطريقة الحوار وأسلوب الضيافة ووو هم فعلوا ذلك لا بمحض اختيار منهم ولا بدافع قادم من أعماقهم كالشغف والحب والرغبة، وإنما طلباً للقبول الاجتماعي وخضوعاً للأسباب السابقة، ولأن هذه الأسباب خارجة وزائفة هي لا تمثلهم ولا علاقة لها بدواخلهم فإن تأثيرها المسيطر، الزمن وما يحويه من تجارب صادمة كفيل بإضعافه وإثبات عدم جدواه، فينبثق نور الوعي من خلال انفراجة يسيرة، يظهر ذلك من خلال مشاعر مختلطة كالشعور بالغضب والعجز والخيبة وبفقدان السيطرة والإحباط واليأس والمرارة ورثاء النفس، تترجم هذه المشاعر بسؤال يصدر من أعماق النفس الإنسانية: أمن أجل هذا أنا خلقت؟ أو: كم هي الحياة غير عادلة وأنا ساذج والناس لا تستحق حجم التنازلات التي قدمتها لهم!، أو كم فاتني من متع وجمال وحب، من سلبني حريتي؟! ومن يعيدها لي؟ وأسئلة أخرى ،،،هذه الأسئلة قد يصرح بها صاحبها وقد لا يترجمها على صيغة تعبيرية، وإنما مكابدة المشاعر السلبية وممارسة الإسقاطات العديدة هي الأقرب إلى وعيه المغلق.
ولأن هذا ماحدث، وقد حدث، فلا حاجة لتضييع بقية عمرك بالبكاء على الحليب المسكوب، فإن يقظتك جاءت بوقتها، وكل شيء يأتي في حينه، فما بقي عليك سوى التمتع بممارسة حريتك من جديد في الاختيار، لا أطالبك بإعادة النظر في الزوج أو الوظيفة، وإنما بالبحث عن معناك! نعم ستعثرين على معناك في الوقت الذي تعثرين فيه على رسالتك في الحياة، إدراكك لقيمتك الحقيقية ينبع من تحديدك للمعنى الذي لأجله أنت هنا على سطح كوكب الأرض.
لم تفتك الفرص بعد لاكتشاف شغفك، ابحثي عن شغفك، ويمكنك مراقبة نفسك: ما الشيء الذي يثير حماسك ويجدد طاقتك ويشعرك بمتعة فريدة من نوعها؟ ما الشيء الذي يوقظك من سريرك دون تردد حين تتذكرينه؟ ما الشيء الذي معه لا تحسين بمرور الوقت؟ اتبعي شغفك.
وطالما أن لك في الحياة فرصة، فالفرص لاز لت مواتية، ممارسة الشغف يضفي للحياة رونقاً وبهاءاً متجدداً.
وفقك الله.
** **
- كوتش هدى للتواصل: hoda.mastour@gmail.com