«الجزيرة» - متابعة:
على مدى الشهرين الماضيين، أصبح العلم العراقي المشهد الأكثر تعبيراً والتصاقاً بتشكيل ما يمكن تسميته بالوطنية العراقية الجديدة، بوصفها قاسماً مشتركاً عاماً عابراً للانتماءات الدينية والعرقية يصنعه المجتمع لتمثيل آماله وتلبية حاجاته بدلاً من الدولة التي شكلت الوطنية التقليدية لترسيخ الشرعية الإيديولوجية لنظامها السياسي.
وأشار الكاتب العراقي عقيل عباس أنه عبر المشاهد الكثيرة التي أصبحت معتادة في غضون هذين الشهرين لتلفح أجساد الكثير من العراقيين، من محتجين وداعمين للتظاهرات، بهذا العلم وتلويح أياد كثيرة به في أماكن الاحتجاج وخارجها وتداوله الكثيف على مواقع التواصل الاجتماعي، ولفّ توابيت المحتجين الذين سقطوا بالرصاص الحكومي به، تحول هذا العلم إلى رمز للوطنية العراقية الجديدة.
وحتى سنوات قليلة، كان هذا العلم محط خلاف عراقي شديد لأن الكثيرين عدّوه رمزاً لنظام صدام حسين، بعد فشل البرلمان العراقي في دوراته المتعاقبة منذ 2005 في تشريع قانون لعلم جديد يتسق مع قيم العراق «الديموقراطي».
وللتخلص من الفشل في تشكيل رمز عراقي جامع، لجأ البرلمان العراقي لإدخال تعديلات شكلية على علم النظام تضمنت إزالة النجوم الثلاث وإعادة كتابة عبارة «الله أكبر» بالخط الكوفي. وكان هذا الترقيع المعتاد أقصى ما استطاعته النخبة السياسية الحاكمة بخصوص صناعة رمزية عراقية ما، لتأتي احتجاجات أكتوبر وتمنح هذا العلم حياةً أخرى من خلال تعبئته بدلالة جديدة تشير إلى المستقبل وتجعله رمزاً للوطنية العراقية الجديدة. لقد اختصرت جملة «نريد وطنا» التي رفعها المحتجون مبكراً التوقَ العراقي الشديد لهذه الوطنية الجديدة التي بخلاف الوطنية التقليدية، نشأت من «القاع» (المجتمع) كرد فعل على «الهرم» (الدولة)، وفشله البنيوي في صناعة منظومة إنسانية لمواطنيه.
ويكمن الالتفاف السريع والعاطفي الهائل للأغلبية الساحقة من العراقيين حول احتجاجات أكتوبر في حقيقة شعورهم أن هذه الاحتجاجات تمثل محاولة نبيلة للمجتمع لإعادة تشكيل الدولة كي تكون الأخيرة، كما كل الأوطان الديموقراطية، مرآة تعكس طموحات المجتمع وأداة منفذة لها.