زكية إبراهيم الحجي
لكل بلد في التاريخ سيرة.. معالم وحضارة، لكن بغداد وعندما أذكر بغداد فإني أقصد «العراق» بكل جغرافيته المتربعة بين ضفاف نهري دجلة والفرات.. هذا البلد العريق المتميز بحضارته التاريخية العظيمة له معلم خاص ووجه مغاير عن كل أوطان الدنيا، فما شهده طوال ماضيه ولا زال يشهده اليوم من انعطافات خطيرة في سياقاتها التاريخية مقارنة بغيره من دول العالم.. لم يكن سوى وأد لأحلام وردية تحولت إلى مشاهد دموية نتيجة حروب متتالية أو صراعات طائفية أو بسبب التدخلات الخارجية.. وأعني هنا التدخل الإيراني المقيت الذي أغرق أرض الرافدين بكثير من العلل ويأتي في مقدمتها الشأن الاقتصادي بعامليه البشري والمادي.. ليبقى سؤال التاريخ يتردد بين الأجيال المتعاقبة «من المسؤول».
بغداد الحاضرة التليدة وغيرها من مدن العراق.. تعرضت إلى أعتى الهجمات البربرية يوم أن غزاها المغول عام 1258م.. فتك ودمر اعتقل وقتل.. نهب وحرق وطمس كل ما يتعلق بالتراث الفكري والثقافي لدولة اقترن اسمها بغزارة إنتاجها الأدبي والفكري وجمال وقيمة آثارها التي تعتبر رمزاً من رموز عزها ومجدها ولا يمكن تجاهلها بأي شكل من الأشكال.
العراق الذي كان مهد حضارات الإنسانية.. العراق الذي بقي ردحاً من الزمن منارة يشع نورها على عواصم الدنيا لتمتد جذور تاريخه في عمق الذاكرة العربية والإسلامية أصبح اليوم مهداً لقوى الدمار والخراب.. العراق الذي أنجب أعلاماً وأقلاماً.. أصبح اليوم ساحة للدماء وكأن جحافل «هولاكو» عادت لتمزقه وتسحق أحلام شبابه وتوجه الطعنات في جسده المثخن أصلاً بجراح عميقة امتدت لسنوات وسنوات.
ورغم الانعطافات السياسية الخطيرة في تاريخ أرض الرافدين ومواقف بعض الدول السياسية تجاهه ورغم التوغل الإيراني وتورطه في عمليات العنف وهيمنته على المشهد السياسي العراقي وسيطرته على كل مفاصل الدولة مستهدفاً النيل من سيادته وكرامته.. من حضارته وثرواته فتفشى الفساد وعمت البطالة بين الشباب.. إلا أن شعب العراق الأبي بقي صامداً أمام كل صفعة تُوجه إليه سواء من الخارج أو من الداخل العراقي خاصة من أولئك المحسوبين على دولة العراق وليس لديهم أي اهتمام بالوحدة الوطنية بل ينفذون ما يُملى عليهم من أوامر إيرانية.
فإذا كان لتبني النظام الإيراني الأسلوب المذهبي في عملية البناء السياسي العراقي فإن ذلك بات اليوم مرفوضاً رفضاً تاماً من قبل الشعب العراقي.. فثورة وانتفاضة الشعب العراقي التي بدأت ولا زالت تدك بلاد الرافدين تتلخص في «إيران برة.. برة العراق حرة.. حرة»
بلد في مثل حجم العراق وعراقته وأصوله الحضارية سيتعافى -بإذن الله- ويعود لسابق عهده وأمجاده.. فيا جارة النهرين صبراً فأنت العز والظفر.