د. ناصر بن علي الموسى
لقي خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- الذي ألقاه في مجلس الشورى يوم الأربعاء 23-3-1441هـ عند افتتاحه للسنة الشورية الرابعة من الدورة السابعة للمجلس اهتماماً كبيراً، وصدىً واسعاً، وقبولاً منقطع النظير على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية.
وتناول الخطاب الملكي - كالعادة - السياستين الداخلية والخارجية للمملكة، واشتمل على مضامين ضافية، ومفاهيم وافية، ودلالات أمينة، وعبارات رصينة شملت كافة أوجه الحياة في جميع القطاعات الحكومية والأهلية والخيرية في بلادنا الحبيبة.
والتعليم في الخطاب السنوي الكريم يكتسب أهمية خاصة تليق بمقام خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-، فعلاوة على كونه يحظى بكل الحب والتقدير والاحترام من أفراد شعبه، ويتربع -بشكل خاص- على عرش قلوب منسوبي التعليم والمستفيدين منه، فهو ملك عالم خبير، وفوق هذا فهو شاهد أمين على مراحل مسيرة تطور التعليم في المملكة منذ التأسيس حتى الآن.
وعلى هذا الأساس، فحديثه - يحفظه الله - عن التعليم ينطلق من المسلمات الأساسية والمرتكزات الرئيسية التي قام عليها التعليم في الوطن الغالي، ومن أبرزها:
- إن بلادنا الحبيبة منذ تأسيس هذا الكيان العظيم على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن -طيب الله ثراه- حتى عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله-، وهي تهتم بالتعليم وتدعمه وتخصص له مبالغ مالية كبيرة جداً تزيد على ربع ميزانيتها السنوية.
- إن رؤية المملكة (2030) - بقيادة مهندسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع - تعول كثيراً على التعليم باعتباره أهم الأدوات التي يمكن توظيفها في سبيل تحقيق أهدافها وتفعيل برامجها التنفيذية.
- إن إصلاح التعليم وتطويره هو السبيل إلى بناء النهضة الشاملة في المجتمع بحكم أن مخرجاته هي التي تشكل النسيج المجتمعي.
- إن الاهتمام بأركان العملية التعليمية الرئيسة، وهي الطالب والمعلم والمنهج الدراسي هو أمر حتمي للنهوض بمستوى كم ونوع البرامج والخدمات والنشاطات التعليمية، مع التأكيد على ضرورة استكمال تطوير المنظومة التعليمية التي تشمل المباني المدرسية، والبيئات الصفية، والخصائص والاحتياجات الطلابية، والأنشطة الصفية وغير الصفية، والتعاملات الرقمية، إلخ.
- إن تحديث وتطوير اللوائح والأنظمة هو مطلب أساس لتعزيز الاستمرار في عملية التقعيد والتقنين والتنظيم والتأطير في البيئات التعليمية.
وقد ركز الخطاب الملكي في موضوع التعليم على أهمية تحسين جودة التعليم العام، واختار نموذجاً لتحقيق ذلك هو إنشاء مركز المناهج المعني بتطوير السياسات والمعايير وفق أفضل الممارسات الدولية.
والمناهج الدراسية في التعليم العام -كما هو معلوم- هي التي تمثل حجر الزاوية في العملية التعليمية، وهي محور الارتكاز الذي تتمحور حوله كافة الأنشطة المدرسية، كما أنها هي حلقة الوصل بين جميع الأطراف المعنية بالتعليم والمستفيدة منه، بالإضافة إلى أنها تشكل الإطار المرجعي لتحصيل المعارف واكتساب المهارات.
وتناول الخطاب التعليم الجامعي، مشدداً على ضرورة رفع مستوى الأداء والارتقاء بمكانة المملكة العلمية والبحثية، واستشهد في هذا المجال بآخر المستجدات في البيئة التشريعية الجامعية، وهو اعتماد نظام الجامعات الجديد، والذي يكتسب أهمية خاصة تنسجم مع أهميته البالغة بحكم أنه معني بمؤسسات التعليم العالي، والتي تشكل مخرجاتها النسيج المجتمعي في المملكة، وقد جاء هذا النظام بفكر جديد لتشغيل الجامعات وإدارتها وتنمية مواردها المالية، وهو يمنح الجامعات مزيداً من الاستقلال الإداري والمالي، وذلك مواكبة لأهداف رؤية المملكة (2030) وبرامجها التنفيذية.
وفوق هذا كله، فإن مؤسسات التعليم العالي في هذه المرحلة المفصلية أحوج ما تكون إلى الكيانات الإدارية والتشريعات التنظيمية المتضمنة في هذا النظام كي تمكنها من مواكبة عجلة التغيير والتطوير والارتقاء بمستوى كم ونوع البرامج والنشاطات والخدمات التي تقدمها، وتفعيل دور البحث العلمي بما يؤدي إلى الإسهام في تحقيق التحضر والتطور والتقدم والرقي في المملكة.
وفي إشارة إلى أهمية التعليم الجامعي الأهلي، وأنه يمثل رافداً مهماً من روافد التعليم العالي في المملكة، أوضح الخطاب أن عدد الجامعات الأهلية قد بلغ (14) جامعة، وأن فرص الاستثمار في التعليم الجامعي الأهلي مواتية في هذه المرحلة بالذات.
واختتم الخطاب الحديث عن التعليم بالتعبير عن الآمال العريضة والتطلعات الكبيرة التي تصبو قيادتنا الحكيمة إلى تحقيقها جراء تطوير التعليم بمختلف مستوياته بما يؤدي إلى التميز العلمي، مؤكداً على حتمية ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل في المملكة.
ونحن منسوبو التعليم -كغيرنا من قطاعات الدولة الأخرى- ننظر إلى هذا الخطاب على أنه نبراس للتوجيه، ومنهل للاستفادة، وخارطة طريق لأعمالنا وأنشطتنا التعليمية والبحثية طوال العام.
ففي مجلس الشورى، وهو المكان الذي يتشرف كل عام بزيارة خادم الحرمين الشريفين لافتتاح السنة الشورية وإلقاء الخطاب الملكي، يوجه معالي رئيس المجلس جميع اللجان المتخصصة بالمجلس -بما فيها لجنة التعليم والبحث العلمي- بدراسة مضامين الخطاب الكريم دراسة مستفيضة، يتم على أثرها قيام كل لجنة -فيما يخصها- بإعداد خطة عمل سنوية، وذلك في ضوء المؤشرات والموجهات والرسائل والدلائل التي يشتمل عليها الخطاب.
وعلى اعتبار أن القطاعات التعليمية والبحثية في المملكة تسير على نفس النهج الذي ينتهجه مجلس الشورى بشأن الخطاب الملكي، ومن أجل المزيد من التنسيق والتكامل بين هذه القطاعات، فإنني أدعوها جميعاً إلى تنظيم ورش عمل تعقب كل خطاب ملكي، ويكون الهدف الرئيس من عقد هذه الورش هو تحويل خطط عملها السنوية القائمة على مضامين الخطاب الملكي إلى خارطة طريق موحدة لإصلاح التعليم بكافة مستوياته، والارتقاء بمستوى البحث العلمي في المملكة.