د.عبدالرحيم محمود جاموس
أمام هول ظاهرة الإرهاب، التي تعصف بالمنطقة العربية، دون أن تظهر بوادر سعيدة لنهايتها، والتي باتت شبه كونية عامة، والدول والشعوب العربية هي الأكثر تضرراً منها، على مستوى الأفراد والشعوب والدول، بسبب ما أدت إليه من دمار هائل وسفك لدماء الأبرياء، وإضعاف لمؤسسات الدول، واغتيال لاستقرارها ونموها، ومن المؤسف أن تستند هذه الظاهرة المقيتة إلى شعارات دينية، في الوقت الذي يحرم فيه الدين مثل هذه الأفعال الشريرة، تحريماً قطعياً، ويرفض المبررات كافة التي يسوقها أصحابها، الذين يجري تضليلهم بشعارات تحاكي الغرائز والعواطف والمشاعر الدينية أو المذهبية، وتثير فيهم الغرائز والتوجسات المريبة إزاء الدولة ومؤسساتها، أو إزاء المجتمع ومكوناته المختلفة، خصوصاً أن طبيعة المجتمعات الإنسانية تقوم على أساس التنوع والتعدد، وتلك فطرة الخالق عز وجل، التي فطر عليها الخلق في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
إن الحكمة من الاختلاف والتنوع هي التعارف، أي ليأخذ بعضكم عن بعض، والتعايش معاً رغم الاختلاف، على أساس من العدل فيما بينكم، وأن أكرم الخلق عند الله، هم من اتسموا بالتقوى، وليس من اتسموا بالعنف، والإرهاب، والاستعلاء على الآخر، والتنكر له، فالاختلاف في الدين أو المذهب أو الطائفة، ليس مبرراً للاقتتال والإرهاب، أو تفكيك عرى وحدة المجتمع والدولة.
إن هذا التنوع الثقافي، أو الطائفي، أو الديني، هو إثراء وإغناء، وقوة للفرد وللمجتمع وللدولة، إذا ما أُخذَ بالعبرة التي فطر الله عليها البشر وهي الاختلافُ والتعارفُ وليسَ التناكرُ ورفضُ الآخر.
إن ((ظاهرة الإرهاب)) المتلبس بشعارات الدين أو الطائفة، يطرح إشكالية في غاية الأهمية والتعقيد، تتمثل في العلاقة بين الدين أو المذهب والطائفة من جهة والفرد والمجتمع والدولة من جهة أخرى، ولا يمكن التوصل إلى حل نهائي لظاهرة الإرهاب، والمواجهات المنتشرة في المنطقة العربية وغيرها بسببها، دون تعريف جديد، وأساسي لتحديد العلاقة بين الدين، والفرد، والمجتمع، والدولة، فالدين أو المذهب هو علاقة بين الفرد وربه، لا يستطيع أن يتحكم فيها فرد أو جماعة، وسوف يسأل عنها فردياً، لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، والمجتمع يقوم على التعدد والتنوع، ويشبه إلى حدٍ ما تنوع التضاريس في الدولة الواحدة، والتي في مجموعها تمثل إقليم الدولة، كما تمثل الوطن الواحد، لمجموع المجتمع بكل تنوعاته الثقافية والفكرية، تجمعها وحدة المصير المشترك، ووحدة الأهداف والغايات، والمصالح الخاصة والعامة، والتي لا يمكن تحقيقها، إلا في ظل وحدة وطنية مجتمعية رغم ما أشرنا إليه من تنوع وتعدد.
الدولة، أي دولة هي دولة جميع مواطنيها على اختلاف مناطقهم وثقافاتهم ومذاهبهم، فجميع المواطنين لهم الحقوق نفسها، وعليهم الواجبات نفسها، وهنا تتحقق مصلحة الفرد كما تتحقق مصلحة المجتمع، في تنمية دور الدولة ومؤسساتها في حياة المجتمع، والفرد، على السواء، لما تحققه من ضمان لحياة وحقوق أفراد المجتمع كافة، وضمان حرياتهم في العيش بأمن وكرامة وسلام ومساواة تامة أمام القانون للجميع، حكاماً ومحكومين، وضمان لاستقلال الوطن ووحدته وقوته.
من هنا تبدأ مواجهة ظاهرة الإرهاب، فلابد من تعريف جديد، وتحديد واضح وحاسم في تحديد العلاقة بين الدين والفرد والمجتمع والدولة، وهذا يقتضي جهدًا كبيرًا وعميقًا، يقوم على أساس تعميق الانتماء للمجتمع والدولة وهويتها الثقافية، وتجفيف البيئة التي تتغذى عليها قوى الإرهاب، مبررة بها الخروج على المجتمع وعلى الدولة وتهديدها لوحدتهما وسلامتهما ومستقبلهما معًا.