فيصل عطا:
كان الفيلسوف اليوناني سقراط جالسًا بين تلاميذه، بينما يتبادلون الكلام فيما بينهم ويخوضون في عدة موضوعات متنوعة، وفي هذه الدائرة التي يملؤها الصخب جاء أحدهم متباهيًا في مشيته، زاهيا بنفسه، وسيمًا في شكله، فنظر إليه سقراط قائلا جملته الشهيرة «تحدث حتى أراك».
مع قلة الظهور والتصريحات والأحاديث، فإن الشخصية التي رُسمت في مخيلة الجماهير الرياضية عامة والهلالية خاصة عن رئيس نادي الهلال فهد بن نافل يكسوها الكثير من الغموض وتحيطها العديد من التساؤلات!
أبرزها عن سر هذه الشخصية وكيف تمكنت من تحقيق هذا المنجز في غضون أشهر معدودات، ولاسيما أنها شخصية صامتة قليلة الظهور والتجاوب مع شتى وسائل الإعلام، هو رئيس ليس قليل الظهور الإعلامي فحسب، بل إن تواجده في التدريبات والمباريات وغرف اللاعبين مقنن كذلك، يقول الأديب والمفكر السعودي الراحل غازي القصيبي في الإدارة: «إن الإداري الناجح هو من يستطيع تنظيم الأمور على نحو لا يعود العمل بحاجة إلى وجوده».
فبعد اعتناق هذا الرئيس الشاب للمجد من أوسع أبوابه وتمكّنه من ترويض اللقب القاري المستعصي على الأندية والمنتخبات في المملكة، فإنه يصبح الرئيس الرابع في تاريخ النادي العاصمي تحقيقًا للبطولة القارية بعد كل من الشيخ عبدالرحمن بن سعيد -رحمه الله- والأمير بندر بن محمد الذي حققها ثلاث مرات، والأمير سعود بن تركي الذي حققها مرتين، لينضم إلى قائمة الرؤساء الذهبيين في تاريخ الأزرق بعد أشهر من تربعه على كرسي الرئاسة.
المطلع عن كثب على عمل هذا الرئيس الشاب ستبهره خطواته المتسارعة، وسيدرك أننا أمام عمل جدير بالاحترام والتقدير، وأننا نشهد نموذجًا إداريًا مثاليًا متطورًا يحتذى به.
واكب تطلعات رؤية المملكة 2030 وهيأ النادي العاصمي للخصخصة!
بداية من النقلة النوعية والتاريخية، ممثلة في تأسيس شركة مساهمة مقفلة تحت ملكية النادي، تمكّنه من ممارسة أنشطته التجارية والاستثمارية بشكل مباشر دون الحاجة لشركات وسيطة.
وصولا إلى إبرام حزمة عقود رعاية تاريخية متتالية مع كبرى الشركات، تجاوزت قيمتها الإجمالية مبالغ العقود المبرمة لرابطة الدوري السعودي للمحترفين ككل، ما جعلها تستعين بخدماته كعضو لزيادة مداخيل الأندية.
فمنذ تزكيته رئيسًا للزعيم، أظهر ابن نافل حرصًا على الملف الاستثماري للنادي، مواكبًا تطلعات رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى الشراكة مع القطاع الخاص من خلال توفير مداخيل إضافية وأرباح للأندية الرياضية، تعتمد على أنفسها من خلاله دون انتظار دعم حكومي أو شرفي.
وما يقوم به ابن نافل هو امتداد للبنية التحتية المتينة التي ساهم في تشييدها الأمير عبدالرحمن بن مساعد على صعيد منشأة النادي، وصولا للأمير نواف بن سعد الذي شهد عهده الأولوية بأن يكون للنادي ملعب خاص تتوفر فيه أعلى المعايير، ما أسهم في توفير بيئة جذابة وخصبة للمستثمرين وجعله ناديًا جاهزًا للخصخصة في أي وقت، مرنًا في التجاوب مع كافة متغيرات العصر.
ولا يمكننا أن نغفل عن صاحب الفضل بعد الله -عز وجل- سمو ولي العهد أمير الشباب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، من خلال إغلاقه ديون الأندية الفلكية التي كانت عائقًا لعمل أي إدارة في أي نادٍ، وهو القرار الذي وضع الكرة في ملعب رؤساء الأندية وذلل لهم الكثير من العقبات والصعوبات.
مقاومة الضغوطات وفن إدارة الأزمات!
وعلى الصعيد الشخصي، فإن القوة التي يتسم بها هذا الرئيس الشاب، ظهرت من خلال تعاطيه مع الضغوطات والأحداث الكبيرة التي واجهها، وحينما نتحدث عن الضغوطات في الهلال فنحن لا نتحدث عن ضغوطات عمل طبيعية وروتينية، بل هي ضغوطات إدارة أعرق الكيانات الرياضية وأضخمها على مستوى القارة.
كان في مقدمتها ملفا تجديد عقد النجم الإماراتي عمر عبدالرحمن، والتعاقد مع مدرب خبير يملك سيرة ذاتية بقيمة جيسوس الذي رفع حضوره سقف الطموحات والمطالب الجماهيرية.
إضافة إلى التمكن من تجديد عقد المحترف البيروفي كاريلو الذي أسهم بشكل كبير في تحقيق اللقب القاري الغائب عن خزائن الفريق منذ سنوات، علاوة على النجاح في جلب لاعب بقيمة كويلار الفنية والسوقية!
وعلى الرغم من المطالبات الواسعة لم يرضخ ابن نافل للأوسمة التي تصدرت «ترند» تويتر مطالبة بالتجديد مع عموري، وعلى صعيد المدرب فقد كان جريئًا بجلب الروماني رازفان بعناية فائقة ودراسة فنية بالتشاور مع أهل الاختصاص، رغم تشاؤم الغالبية منه ومطالبتهم باسم يوازي اسم المدرب البرتغالي جيسوس، بل والمطالبة بإقالته بعد التعثرات التي لحقت بالفريق قبيل النهائي القاري. وأما كاريلو فقد كان التجديد له تحديًا آخر إلا أنه كان حكيمًا في المفاوضات ولم ينجرف مع الضغوطات، ما مكنه من تخفيض القيمة التي طالب بهاالنادي البرتغالي إلى نسبة بلغت 65% رغم بروز نجم اللاعب بشكل لافت خلال إعارته.
وعلى صعيد آخر عند فقدان الأمل وتمسك فلامينغو بنجمه الكولمبي كويلار، نجح في استقطابه قبل إغلاق فترة الانتقالات الصيفية، دون الرضوخ للمطالبات الطائلة من النادي البرازيلي.
وعلى صعيد التحديات فإن إلغاء عدد من العقود والتخلص منها في وقت وجيز، مهمة لا تقل صعوبتها عن إبرام تعاقدات جديدة، وربما تكون معظم الجماهير الرياضية لا تشعر بها ولا تذكرها غالبًا لكنها أمور في غاية التعقيد والصعوبة خصوصًا في نادٍ مثل الهلال.
وفي إطار الخطوات الجريئة والمدروسة فإن جلب الخبير المقرب من اللاعبين، قائدهم السابق سعود كريري على رأس إدارة الكرة بالفريق الأول، وعدم التفريط بالمفرج الأمين الخبير ووضعه في الهيكل الإداري بعد تقديم استقالته من إدارة الكرة، أمور أسهمت في خلق بيئة إدارية مثالية هادئة وواثقة ورصينة.
نشأة العقلية الإدارية للرئيس الشاب!
من المزايا التي يتسم بها هذا الرئيس الشاب، هو أنه ذو عقلية ترعرعت على يد أحد أكثر رجال العالم ثروة ودهاءً الأمير الوليد بن طلال، وإدارته لمشروعات الأمير الاستثمارية الضخمة.
هذه العوامل جعلت من ابن نافل محل ثقة لشغل منصب الرئيس في الهلال واكتساحه للأصوات في الانتخابات الشرفية، علاوة على تشربه احترافية الأمير وتطبيقها خلال إدارته للنادي.
سياسات انتهجها ابن نافل!
العمل في بيئة القطاع الخاص تحديدًا، وفرت في ابن نافل خصائص مختلفة عن البقية، أبرزها هي الابتعاد عن البيروقراطية السائدة في الإدارات عامة والرياضية خاصة، من خلال منح الصلاحيات والثقة والمسؤولية لإدارات المنشأة وتقسيم مهامها وفق الاختصاص، وتعزيز مستوى الشفافية وأتمتة الخدمات الإلكترونية، وتعزيز أدوار قنوات التواصل الاجتماعي ومواكبة التغييرات والتطورات، ما أسهم في رفع مستوى الانتاجية والجودة، وولّد الإبداع داخل المنشأة، وجعلنا كمتابعين أمام نادٍ نموذجي بعقلية أوروبية يسير نحو هدفٍ واضح؛ وفي ذات السياق يقول الجنرال الأمريكي جورج باتون: «لا توجه الناس دائمًا إلى كيفية أداء أعمالهم.. أخبرهم بالمطلوب وسيفاجئونك بابتكاراتهم».
ومع تطور المنظومة الرياضية حول العالم، فإن النجاح الإداري يكمن في الحوكمة وتوفير مداخيل إضافية، بالاستفادة من شعبية النادي وتوسيعها من خلال رسم خطة عمل وسياسة واضحة ومتسقة، تضمن ديمومة الاستقرار وتواجه كافة المتغيرات والأحداث التي قد تطرأ.والعمل على المدى البعيد سيمكن أي إدارة من إنشاء بنية تحتية تقوّم عمل سنوات قادمة، خصوصًا إذا ما آمنا أن الإدارة هي فن وتخصص يسهم في تقدم المجتمعات وتطورها، وأنها علم ومهنة تنبغي ممارستها وفق أسس وقواعد الوظائف العلمية الإدارية، وأن ما نشاهده على أرض الواقع يعود لتلك الثوابت!