يوجد في عصرنا الحاضر بعض الآثار العمرانية لحضارات قديمة تميزت بعظمتها المعمارية وقوة البناء، وهذا ينطبق على الحضارة الفرعونية واليونانية والحضارة الإسلامية التي شهدت أيضًا رقيًا في العلم والفن والآداب أسهمت في التطور والتقدم الإنساني، وسطرت في هذا الجانب خير مثال في الأندلس.
ومع مرور الزمن أفلت تلك الحضارات وظهرت لنا الحضارة الغربية التي راحت مع الوقت تتعاظم شيئاً فشيئاً متربعة فيه على المشهد العالمي، منصبًا تركيزها على استخدام القوة الذي خلف حروبًا وصراعات كان الهدف منها السيطرة وبسط النفوذ والاستغلال بشكل استعماري بغيض تصدرته بريطانيا وفرنسا في بدايته ثم حلت الطامة الكبرى من قبل ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر الذي أدخل الشعب الألماني في حروب كارثية حصدت الكثير منه معتمدًا على ما تنتجه الصناعة العسكرية الألمانية.
وأخيرًا توقفت الحروب وتغير المشهد وظهر على السطح التنافس الشيوعي والرأسمالي اللذين كانا على النقيض في توجهما الاقتصادي، فهناك فكر يدعو إلى التخطيط المركزي وسيطرة الدولة ركز الأول بشكل كبير على الإنتاج الزراعي أما الثاني فقد اهتم بحرية الفرد في التملك والعمل، وهذا أدى إلى فشل المشروع الشيوعي وتقدم المشروع الرأسمالي الذي انتقل إلى التطور التقني والصناعي الذي حول العديد من البلدان الغربية إلى قوة اقتصادية هائلة.
وخلاصة القول: ما القاعدة الأساسية التي أدت إلى صعود هذه الدول بداية سنأخذ بريطانيا فلقد كان السبب في تطورها وتنامي قوتها هو اكتشاف الفحم عام 1805م الذي أحدث ثورة صناعية فيها سبقت به باقي الدول الأوروبية، ثم بعد ذلك نأتي على أمريكا التي وصلت إلى وضعها الحالي كقوة عسكرية واقتصادية من خلال الاستفادة من خبرات العلماء الألمان الذين كانوا في العهد النازي حيث كان هم من بذر أسس الصناعة في أمريكا وخاصة الصناعة العسكرية جعلها في أعلى درجات التفوق المبهر الذي راح الكثير من بلدان العالم يسعى إلى الوصول إليه، ولكن سر هذا التفوق أصبح سلعة تباع لتحقيق غايات وأهداف استعمارية، سلعة لن تحصل عليها الشعوب النامية? عن طريق تطبيق القيم الليبرالية والديمقراطية، والتي تعد بحق خداعًا محضًا ينطلي على الكثير من الشعوب، نراها الآن تطغى على المشهد السياسي يستخدم فيه أعلام قوي يبث بشكل دائم قيمة تلك الأفكار الليبرالية وأثرها في تحقيق الرقى (يقول المفكر فرنسيس فوكوياما نصير الليبرالية إنها تواجه مأزقًا في عصرنا الحاضر متمثلاً في الإجهاض وانتشار المخدرات)، فهل ستصنع الأفكار الليبرالية مجتمعًا صناعيًا متقدمًا الجواب هو لا، ستبقى شعارًا مستغلاً من قبل السياسيين الغربيين الذين يجيدون توجيه العقول بقدرتهم الخطابية نحو هذه الأفكار التي تمثل المجتمعات الراقية في قيم الحرية والتطور التي هي مفقودة في دول العالم النامي وهي السبب في عدم تقدمه وتطوره، وتبقى الحقيقة التي تفضح هذا من خلل الشركات الكبرى المسيطرة في داخل البلدان الغربية التي تخضع السياسيين بشتى الطرق من أجل مصلحة الشركة تجعل من الليبرالية شعارًا زائفًا.