(الوهم نصف الداء والاطمئنان نصف الدواء والصبر بداية الشفاء) هي مقولة عظيمة لأبي الطب العربي ابن سينا.. وهي حقيقة يومية في عيادات الأطباء، فكثير من المرضى يسيطر عليه الخوف والهلع من كلمة طبيب غير مقصودة بمعناها التي فهمها المريض أو تلميح أو تعبير وجه من طبيب أشعة ملأ يوم مريض حزنًا، وكم من نتيجة تحليل أسيء فهمها جعلت مريضًا لا ينام وكم من عرض بسيط ظن المريض أنها النهاية؛ بداية بآلام الصدر العادية التي ظن المريض أنها ذبحة وآلام البطن المعتادة التي أيقن المريض أنها سرطان القولون وكم من كلمة من طبيب الأشعة عن الكبد ظن المريض أنه التليف اللعين وكم من تحليل قرأه المريض خطأ ظن أنه الأورام الخبيثة. إننا هنا لست بصدد عمّا يتم عمله خطأ بقصد من طبيب أو تحايل من مريض فلهذا مسمي آخر يعاقب عليه القانون، ولكني أتكلم أشياء نراها في العيادة يوميًا وبعد الفحص والتدقيق يتضح أنها أمور عادية جدًا كالارتجاع مسببًا الألم في الصدر، أو القولون العصبي ومشكلاته التي لا تنتهي ظن أنها سرطان، أو دهون الكبد المنتشرة التي ظنها تليفًا أو ارتفاعًا طفيفًا في أنزيمات الكبد وظن أنها النهاية؛ فلا أنسى هذا الرجل الوقور الذي جاء إلى العيادة على غير عادته من دون موعد وأراد الدخول فورًا مما سبب إزعاجًا للمرضى، ولإنهاء الموقف قابلته وحين دخل أراد أن يعرف نتيجة أشعة وعندما قلت له طبيعية انهمر في البكاء وأقسم أنه لم ينم الليلة لخوفه من أن يكون بها سرطان.. تخيل هذا الكهل وليليته من الحزن والخوف، والحقيقة أن معظمها من خيال إنسان خائف مرعوب على نفسه وأولاده، ولكنها أيضًا قد تكون من كلام طبيب غير مسؤول يتكلم وكأن المريض يفهم مجلدات الطب ويعرف المصطلحات العلمية، أو طبيب أشعة قالها دون وعي لانشغاله أو طبيب معمل أراد أن يضع بصمته، والحقيقة أن هذا يمثل نسبة كبيرة جدًا من الاستشارات والزيارات الطبية ويكلف المرضى وقتًا ومالاً دون فائدة ويعيش المريض وأهله ليالي كئيبة أو أيامًا صعبة فلطالما أتى مريض بملف أوراق كبير حين أراها أعرف أننا بصدد مشكلة كلامية غالبًا مجموعة من الآراء والآراء المضادة، ومجموعة من سوء الفهم وعدم التوضيح الذي غالبًا ما يكون دون قصد وأحيانًا عن جهل سواء من المريض أو الطبيب، والحل هو العلم والقراءة والثقافة الطبية اللازمة لكل من الطبيب والمريض.. فالطبيب مطالب بالعلم والتخصص والتعمق في التخصص ومتابعة اللم في هذا التخصص بدءًا من القراءة إلى المؤتمرات إلى الندوات إلى التدريب المستمر، والمريض بدأ من البحث والقراءة واختيار الطبيب المناسب لمشكلته وسؤاله عمّا يدور في باله والكشف عن خوفه لطبيبه بمنتهى الوضوح، وأيضًا يتحقق هذا الفهم بجو من الألفة والود والحب والتواضع من الطبيب أو الاحترام والالتزام من المريض لتكون الجلسة ودية وليست ندية فنحن كأطباء نرى كل أنواع البشر منهم الرقيق المحترم والمهذب الودود مهما كانت سنه أو نوعه إلى غيره من المتكبر وأحيانًا العنيف وكذلك نحن الأطباء منا الرقيق ذو البال الطويل المتفهم لخوف المريض الذي يريد أن يساعده وهؤلاء عموم الأطباء ومنا المتغطرس عديم الأسلوب الذي لا يبالي بمشاعر المريض، والحقيقة هو أدب واحترام متبادل لا بد أن يكون بين الطبيب والمريض للوصول إلى المراد وهو الممارسة الطبية السليمة والفائدة الصحية المرجوة؛ فأنت عزيزي الطبيب.. مسؤول أمام الله قبل الإدارات عن هذا المريض وهذه الحالة، وأنت أخي المريض كما قال سقراط.. لن تستطيع أن تكون امبراطورًا أمام طبيب فالمرجو من الطبيب التحلي بالعلم والمسؤولية واللطف الواجب وكذلك التحمل الذي تفرضه علينا المهنة وبث روح التفاءل والتبسيط غير المخل للحالة الطبية ومراعاة أن هذه الكلمة قد تكون لها معانٍ عند المريض فوجب التبسيط وبث روح التفاءل والأمل وأنت عزيزي المريض عليك اختيار طبيبك بعناية والاستماع له بدقة وسؤاله عمّا بداخلك وأخذ الرأي الثاني عند الحاجة، وأعلم أنه ما أصابك ما كان ليخطئك لأننا الأطباء نتحرك في هذه المسافة بين قدر الله ورحمته، وأختم بهذه القصة: حين سألت مريضة أختها: كم ورقة على الشجرة؟ فأجابت الأخت الكبرى: لماذا تسألين يا عزيزتي؟ أجابت الطفلة المريضة: لأني أعلم أن أيامي ستنتهي مع وقوع آخر ورقة هنا ردت الأخت وهي تبتسم: إذن سنستمتع بحياتنا ونفعل كل ما نريد مرت الأيام والأيام والطفلة المريضة تستمتع بحياتها مع أختها، تلهو وتلعب وتعيش أجمل طفولة.
تساقطت الأوراق تباعًا وبقيت ورقة واحدة وتلك المريضة تراقب من نافذتها هذه الورقة ظنًا منها أنه في اليوم الذي ستسقط فيه الورقة ستنتهي حياتها بسبب مرضها!
انقضى الخريف وبعده الشتاء ومرت السنة ولم تسقط الورقة والفتاة سعيدة مع أختها وقد بدأت تستعيد عافيتها من جديد حتى شفيت تمامًا من مرضها.
استطاعت أخيرًا أن تمشي بشكل طبيعي، فكان أول ما فعلته أنها ذهبت لترى معجزة الورقة التي لم تسقط عن الشجرة، فوجدتها ورقة شجيرة بلاستيكية مثبتة على الشجرة، .. نعم، هو الأمل فقط يا سادة فتحية لكل طبيب بث الأمل والتفاءل في أصعب الحالات وخفف عن المريض وأهله وتحية لكل مريض أدرك أنه قدر الله وإنما الطبيب يساعده فأحترمه وقدره.
وندعو الله للجميع بالتوفيق والشفاء.
** **
- استشاري الجهاز الهضمي والمناظير