د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** يؤنس بعضّنا القربُ من رموز ثقافيةٍ ذاتِ أمداءٍ وأصداءٍ دون أن تحول بينهم مسافاتُ النجومية والأستذة؛ فيتنفسون معهم الهواءَ نفسه، ويقتسمون شطيرة الجبن وصحن الفول، ومعها يتشاركون لغةَ الوعي وانشطارات الظل والشمس.
** ندرةٌ من يحظون بهذا؛ فلا وقتَ للمتبوع ولا حيلة للتابع، والأقنعةُ تمنع الاقتراب، وربما كان للفواصل بينهما دورٌ موجبٌ كي لا تبدوَ لهما سوءاتُهما، وقد لا يجدان ما يخصفان به عليهما اتقاءً أو انتقاءً، والرياحُ تهب فتحرك الأشرعة، كما أن في الأشرعة ما يطويه السكون.
** كان صديقُه «النجم» ملءَ سمع وسطه فنأى وبقيا، وحين التقيا ظن أنه سعيدٌ بما حققه من ذيوعٍ ووفرةٍ، لكن زفرةً ارتدت من أعماقه وشتْ بزيف ظاهره وسرابية مظاهره، وتمنى استبدال ترابه بتبره، ولم تمضِ أيام حتى غادر المشهدَ غيرَ عابئٍ.
** الركضُ موسمٌ لا يطول؛ فالقدمان تحملان البدنَ حين يغفلُ الذهن، وفي حكايات «الساموراي» ما يوحي بالانتصار حين يُغلق المحارب ذهنَه فلا يفكر إلا في النزال، وقد يخسر نفسه ويقف على طلل الوهم؛ فماضره لو فكَّر وقدّر، وفتشوا عنهم فلم يعد لهم أثر.
** ربطت «محمد بنّيس» و»جاك دريدا» علاقة وثيقة، ويُهنّأُ من يحظى برؤية «دريدا» فكيف بمن اصطفاه رفيقًا، غير أن هذا الفرنسيّ «الجزائريَّ مولدًا 1930 - 2004م» كان قد سئم محيطه الباهت فاغتسل من همومه داخل سيارة صديقه المغربي «1948م- حول شواطئ الأطلسي ممتزجًا موجُه الهادئ بموسيقى أندلسيةٍ عتيقة، وفي قراءة علاقة «دريدا- بنيس» محوٌ للاسم والوسم؛ فباتت رؤية «الخراز» وجلوده، والفخاري وطينه، وصوت الأذان، وسحر الأسواق القديمة سيمفونيةَ الجمال والجلال (مع أصدقاء- محمد بنيس- دار توبقال 2012م، ص 67-73).
** تتماهى العلاقات بأكثر من هذا، وربما لا تكتمل مثلَ هذا، ووعينا انفصال «طه حسين 1889 - 1973هـ» عن سكرتيره «فريد شحادة»؛ فلم نعرف فواصل حكاياتهما ومفاصلها ببعض ما فيها وما عليها كما صنع السكرتير البديل محمد الدسوقي في كتابه: (أيام طه حسين).
** للمشاهير نفوسٌ ولقصصهم دروس، ولعل من الأمثلة المضيئة في ثقافتنا المحلية صداقةَ الأستاذين عبدالكريم الجهيمان 1912 - 2011م ومحمد القشعمي 1944م- فقد اكتمل برُّ أبي يعرب بفروسية أبي سهيل، وكذا تواصل الشيخ محمد العبودي 1926م- وتلميذه الدكتور محمد المشوح 1966م- إذ أضافت تذكارًا يندر تكراره، ولن ننسى تميز علاقة الدكتور محمود محمد الطناحي 1935 - 1999م بشيخه العلامة محمود شاكر 1909-1997م، وكذا المحامي المصري إبراهيم عبدالرحمن مع الشيخ عبدالله القصيمي 1907 - 1996م، ورواية حكاياتهم وأمثالهم إسهامٌ معرفيٌ ومجتمعي.
** النماذج تتعدد حول ما يراه النائي وما يعرفه الداني، وبينهما مسارٌ متعرجٌ تتعثر فيه الخطى؛ فتتضاد الصور، وتبهت الملامح، وتختلط الشخوص بالنصوص فلا يألف المثالُ القاعدة ولا تنطبق القواعد على العلامات، ولا الفواتح على الخواتيم.
** للّوحةِ قراءاتٌ لا تُرى