د.شريف بن محمد الأتربي
الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك؛ مقولة ننطق بها كلما أردنا أن نلفت انتباه أحد من الناس إلى أهمية الوقت وربما ننساها نحن أنفسنا وقد لا نعمل بها.
وللوقت أهمية كبيرة في حياة الإنسان بل هو الإنسان نفسه فكل جزء من جزء من الثانية يمر على الإنسان ينتقص من عمره الذي قدره الله تعالى له لذا نجد أن الله تعالى قد حدد أعمالنا الهامة والتي ستكون بإذن الله جواز عبور لنا إلى الجنة بعد رحمة الله بنا؛ حددها سبحانه بالوقت، فسن التكليف بوقت، والصلاة بوقت، والصيام بوقت، والحج بوقت، والزكاة بوقت، وقيام الليل بوقت، و... كل شيء عند الله تعالى هو وقت في حياة الإنسان.
وفي الأحاديث النبوية كذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى أهمية الوقت، فنجد هذا الحديث والذي رواه ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ».
والمتدبر للحديث يجده وقت فالأربع التي يسأل عنها العبد يوم القيامة هي عُمُرِه فيما أفناهُ، وهو وقت، جسدِهِ فيما أبلاهُ، يعني استخدمه، وهي وقت، وعلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وهو وقت أنفقه في التعلم أيضاً، وأخيرًا عن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ، وكل هذا وقت.
فالوقت هو مقياس صلاح العبد من فساده إن أحسن استثماره نجى وإن أساء خسر وخاب وبالنار هو مُكْتوًى، لذا فإن إدارة الوقت وتنظيمه وحُسن الاستفادة منه هي دليل على قدرة الإنسان في التحكم في نفسه وعدم تركها لغيها وأن تطغى الأمور الدنيوية على الأمور الدينية كما نلاحظ كثيرا خاصة في شهر رمضان حين ينشغل الكثيرون بتوافه الأمور وتركوا معنى الصيام وفائدته الدينية والروحية، فاهتموا بالولائم والنزهات والأفلام والمسلسلات ومتابعة القنوات.
ولقد اهتم الغرب كله بالوقت وأهميته وبنى تقدمه ورقيه على احترام الوقت وحُسن إدارته، بل إن كثيرا من هذه الدول يطبق مبدأ ساعات العمل حيث يتم محاسبة العامل أو الموظف على عدد الساعات التي عملها خلال الأسبوع، بل إن كثيرا من الوظائف أيضا تتعامل مع الفرد بنظام الوقت كالمحامين والمعالجين النفسيين وحتى مساعدي الخدمة المنزلية يعملون بالوقت. لذا تجد هذه الدول هي في مصاف الدول الكبرى والمتقدمة.
وقد تسنى لي حضور دورة إدارة الوقت قبل فترة وكان المدرب جيداً؛ فإدارة الوقت يمكن إجمالها بأنها أداء المطلوب في الوقت المحدد وحسب الوقت المحدد. أي أن المطلوب عمله قد تم بشكل صحيح في الوقت الصحيح خلال الفترة المحددة له.
ولعل من أجمل ما سمعت من المدرب كانت فكرة مربع إدارة الوقت والتي وضعها الدكتور «ستيفن كوفي» صاحب كتاب «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» وهي طريقة بسيطة جدا على هيئة مصفوفة لترتيب الأولويات. والطريقة تعتمد على تقسيم المهام أو الأشياء التي يريد الشخص القيام بها من ناحية الأهمية إلى أشياء مهمة وغير مهمة، ومن ناحية استعجالها إلى أشياء مستعجلة وغير مستعجلة.
ومما يؤسف له أن نجد أن كثيرًا منا يضع نفسه في مربع الأشياء غير المستعجلة وغير المهمة ويظل يعمل داخل هذا المربع ظنا منه أنه يقدم ما لا يستطيع أحد سواه أن يقدمه مما يُفقد العمل قيمته ووقته ولا يمكن أن يُحقق من خلاله أي إنجاز ولا هدف من أهداف خطة العمل.
وقد وضع كوفي حلا مناسبا لكل مربع بحيث لا تختلط الأمور وتضيع الأوقات هباء منثورا فرتب الأولويات كما يلي:
ترتيب الأولويات
هام وعاجل - غير هام وعاجل
مربع الأزمات - مربع الخداع
(انجز) (فوض)
هام وغير عاجل - غير هام وغير عاجل
مربع المستقبل - مربع الضياع
(خطط) (أترك)
ومن أطرف التعليقات التي ذكرها المدرب أن هناك في مجال العمل من يحمل في يده قردا صغيرا وهذا القرد هو مربع (غير هام وغير عاجل) وبمجرد دخوله للمكتب يطلق القرد من يده ليتشبث بيد أحد آخر ويشغله لفترة طويلة بلا أي داع، وقد أوجد له حلا قائلا: بمجرد ما تجد القرد ملقى عليك (المهمة غير الهامة وغير العاجلة) أقذفه بسرعة مرة أخرى لمن أطلقه حتى لا يقع في إطار مسؤولياتك وتحاسب عليه.
ولعل من الجميل أيضا أن تتعرف على سبل التخلص من الأعمال المفاجئة حيث أن كثيرًا منها ليس بالأهمية اللحظية وذلك من خلال سؤال بسيط للشخص الملقي لك بالمهمة وذلك بقولك: مهم يعني الحين؟ هل يمكن تأجيله؟ وهذا السؤال وإجابته هما محددان آلية التعامل مع المهمة المرسلة لك.
إن الحديث في شأن الوقت يطول ويطول ولكن أهم ما أردت الوقوف عنده هو إذا كنا نستطيع إدارة الوقت لصالح العمل الذي نقتات منه دنيويا، ألا يمكننا أن ندير الوقت لتنفيذ أوامر الله رب الدنيا والآخرة؟ فبقليل من التنظيم نوازن بين كل ما نقوم به وننال حظنا فيها.