د. أحمد الفراج
ربما أن فوز جورج بوش الابن برئاسة أمريكا كان من أبرز المفاجآت التي حدثت في تاريخ أمريكا السياسي، فهو قد ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولم تكن السياسة أحد اهتماماته، وحتى في دراسته، لم يكن طالباً نجيباً، فقد اعترف وهو رئيس، أثناء حضوره إحدى حفلات التخرّج، بأنه تخرّج من الجامعة بمعدل ضعيف، وهو التعليق الذي لاقى صدىً واسعاً، إذ قال للطلاب المتخرِّجين: «لا تقلقوا إن كانت معدلاتكم ضعيفة، فقد تخرَّجت بمعدل (ج)، وأصبحت رئيساً لأمريكا»، وهذا علاوة على أنه عاقر الكحول وما هو أكثر منها، قبل أن يتوب ويولد من جديد كمسيحي متدين، وغني عن القول إن والدته، باربرا بوش، قالت ساخرة، بعد ترشحه للرئاسة: «ليت ابني جيب ترشح بدلاً من جورج»، ولم يكن معظم المعلّقين يتوقّعون فوزه، ولكنه فاز، بفضل شعبية أسرة آل بوش وتاريخها السياسي، خصوصاً والده بوش الأب، وكذلك دعم جماعات اليمين المحافظ، التي ينتمي لها.
اشتهر عن بوش الابن أنه ينام باكراً، متمثلاً قول المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها، ومما خدمه هو أنه اختار نائباً قوياً، ديك تشيني، السياسي الجاد والحادّ، الذي يعتبر أقوى نائب رئيس في التاريخ الأمريكي، ومعه المحافظون الجدد، فكان فريقاً صلباً عنيداً ومتناغماً، خاض حربين كبيرتين، في أفغانستان والعراق، إذ كانت فترتاه الرئاسيتان صاخبتين، ورغم كل ما يُقال عن ضعف بوش الابن، إلا أنه كان يتمتع بالقوة، ولا يكترث بكل ما يُقال عنه من قِبل الإعلام، على عكس ترمب، الذي يستفزه الإعلام على مدار الساعة، ثم يهاجمهم من خلال حسابه على تويتر، والقوة والثبات على المبدأ يعتبران من أهم مواصفات الزعيم الحقيقي، وبهذا المعنى فبوش الصغير كان زعيماً، لم يخضع يوماً لانتقاد المعلّقين، فكلما زادت حدّة انتقاده، ازداد صلابة وقوة، وكمتابع للشأن الأمريكي، لم أشهد رئيساً يتمتع بهذا الكم من الثبات على الموقف، في ظل هجوم لا يتوقف من كل اتجاه، وخلاصة القول هي أن بوش الابن قال يوماً: «سينصفني التاريخ»، ولا أظنه كان يتوقّع أن التاريخ سينصفه بهذه السرعة!