د. تنيضب الفايدي
نظرًا لأن الثقافة متجددة ومرتبطة بالتطوير، ولا سيما التطوير الذاتي للمثقف والمثقفة؛ لذا فإن تنمية الموارد الفكرية أصبحت ضرورة، وكلمة التنمية:
(Development) والموارد (Resources) ارتبطت هاتان الكلمتان بالاقتصاد بداية، ثم دخلت في مجالات متعددة، كالإدارة والتربية والسياسة، ويراد بالتنمية هنا: التنمية الثقافية، أي: تطوير وزيادة معلومات وخدمات ومهارات الفرد لمقابلة احتياجاته واحتياجات مجتمعه، ومسايرة التطورات المحيطة به، أما التفكير فيعتمد تعريفه على عدة مصادر أو عدة علوم، منها: الفلسفة، وعلم النفس، وعلم الأعصاب، والتفكير عملية ذهنية يتفاعل الإدراك الحسي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف أو عدة أهداف، ومن دلائل التفكير الذكاء (Intelligence) ويزداد مستوى التفكير عند بعض الأفراد حتى يصل إلى درجة عبقري (Genius) ويتمنى كل فرد أن يوصف بالذكاء والعبقرية، أو بأحدهما أو على الأقل وصفه بالفطنة (Common Sense) والذكاء وظيفة من وظائف الدماغ، والمواد الفكرية هي: ما يكسبه الفرد من علم ومعرفة ومهارات وقيم واتجاهات من خلال نظام يضعه لنفسه سواء بانضمامه إلى النظم التدريبية باختلاف أنواعها، أو النظم التعليمية باختلاف مستوياتها، أو بواسطة التنمية الذاتية بالمساقاة الثقافية العامة والتركيز على مجال التخصص والاهتمام، وكلّما زادت التنمية الفكرية زادت القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة في مجال العمل، وتجديد المهارات، مما يسهم في رفع مستوى الأداء ومستوى التعامل مع الآخرين، وبالتالي مستوى التفكير، وما يضيفه أو يتعلمه الفرد من مهارات وقدرات مختلفة تزيد مستوى تفكيره، ويدرّ عليه دخلاً أو تيارًا للفوائد المتعددة في نفسه، وفي مجتمعه، وفي عمله، لذلك يعمل الفرد على زيادة (المساقاة) لفكره بما يكسبه من علم ومعرفة، ومهارة من مصادر متعددة، مثل الاطلاع المستمر على مصادر المعرفة والمشاركة فيها، والتعمق في تخصصه، كل ذلك يؤدي إلى زيادة الاستثمار في نفسه، وفي عمله أي: زيادة إنتاجيته، ويبرز ذلك على شكل مؤشرات (Indicators) يدركها المحيطون به من رؤساء وزملاء ويدركها (العملاء) الذين تقدم لهم الخدمة، وبالتالي فإن المهارة الوظيفية (Skilled Job) تمثل نمواً في التفكير والابتكار أي: زيادة وتنمية لمصدر التفكير وهذا يعد استثمار الإنسان في تفكيره، حيث إن الفكر من مكونات الاستثمار (Investment Components) ويعدّ الإنسان بفكره أغلى ثروة يملكها الوطن، وتنمية قدرات التفكير لديه تعد أفضل استثمار للمستقبل، فإذا ما كان الفرد بتنمية تفكيره فإنه يصبح قادرًا على تغيير الواقع وحسينه استغلال الطاقات الكامنة لديه وتفجيرها، وكما يقال إن الإبداع بركان خامد داخل كل فرد، يثور متى ما توافرت الظروف المناسبة، وتنمية مصادر التفكير لديه يحتاج إلى الإرادة حتى يبدع، وينمو مستوى تفكيره، كما يحدد درجات النجاح في الحياة بدءًا بالدراسة وانتهاء بالعمل، وكذلك درجات التعامل أسريًا واجتماعيًا، وتختلف درجة مهارة التفكير العلمي (Scientfic Thinking) باختلاف طريقة التعليم، وحصيلة الثقافة العامة، والخبرات الحياتية وطريقة التعامل مع مشكلات الحياة، ويمكن تصنيف تفكيرنا تبعًا لذلك إلى عدة أنواع منها: التفكير الإبداعي، والتفكير الناقد، وتفكير حل المشكلات واتخاذ القرارات ولكل نوع منها إستراتيجيات وخصائص، وعادة تختلف الأفكار ومستوى الإبداع من عقل لآخر، وقد حددت أربعة مستويات للعقول وفق تعاملها الفكري، وهي:
1- العقول الكبيرة تتحدث عن الأفكار، وهؤلاء يغذي تفكيرهم الشوق العميق لمعرفة أسرار ما يحدث حولهم في الكرة الأرضية أو الكون، ويولد التفكير لديهم حب الاستطلاع بكل جديد من المعلومات والحقائق والاستكشافات، ويزيدهم الفهم (comprehension) امتلاكًا للمعلومة، وتفسيرًا واضحًا لما يحدث، وهؤلاء لهم بُعد أطول، وخبرة أعمق، وتجربة أكثر ثراء من غيرهم، ولأفكارهم أثر ملموس في تقدم البشرية، وتتعدد الأفكار حسب الفرد (أو مجموعة الأفراد) وحسب الجوانب التي يتم التركيز عليها، حيث المخترعون من علماء متمكنون سواء في علوم الطب أو الفضاء والصناعات في مختلف أنواعها، وعلماء السياسة والفن والتربية، والأدب...إلخ. والحياة التي نعيشها الآن بمختلف مخترعاتها، ونتمتع بثمارها أو نعاني نتائجها هي نتاج هذه العقول، وعادة تصنع هذه العقول بأفكارها الأحداث الكبيرة.
2- العقول العادية تتحدث عن الأحداث (Average Minds discuss People).
وهذا المستوى فئتان:
- عقول تسهم في الأحداث ولكن بدرجة أقل من العقول الكبيرة، ومنها: التربويون، والأدباء، والفنانون إلخ...
عقول تتحدث عن الأحداث ذاتها، ولا تصنعها ولا تشارك في صناعتها، كما أن حديثها لا يزيد في الوضع شيئًا، بل هو وصف وإظهار وجهات نظر (فردية أو مجتمعية) كما أنها لا تستطيع تغيير مجرى تلك الأحداث، ولا تصنع أحداثًا، ولا تشارك في صناعتها.
3- العقول الصغيرة تتحدث عن الأشخاص (Small Minds discuss People).
وهذه العقول تتحدث عن العلاقات الاجتماعية وما يحدث في النسيج الاجتماعي، من زواج وطلاق وسفر، كما يكثر الحديث عن الأشياء كالسيارات والتسوق وما تم من خلاله من شراء وبيع.
4- العقول الأصغر، تتحدث عن نفسها (Very small minds discuss Themselves).
وعادة ضمن هذه الفئة يكثر المتحدث عن نفسه من قلتُ، وفعلتُ، وكتبتُ، سافرتُ، واتصل بي، وهذا ما قلته سابقًا أو يركز في كتابته - إن كان كاتبًا - على نفسه وأسرته. أي: إن (أنا)، و(تاء المتكلم) هي المسيطرة عليه، وهذه النزعات والكوامن النفسية تنحدر بالشخص، إلى النوع الرابع من أصحاب العقول. وأسوأ تلك العقول هي التي ينطبق عليها {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}.