عبدالوهاب الفايز
إذا سأل سائل عن مشكلة رئيسية تقلق وتؤرق الحكومات وتزعجها، لوجد أن البطالة توضع على رأس التحديات، فالبطالة من مصادر التهديد للأمن والسلام الاجتماعيين، فغياب فرص العمل وانعدام الدخل تتجه مؤثراتها السلبية إلى تغييب البعد الإنساني، وتؤسس لبنية سلبية عن الذات والآخر والحياة كلها، بل (البطالة تكسر الوجه!)، كما وصفها أحد الآباء الذي ظل يثابر متصلاً يطلب المساعد للشفاعة لتوظيف ابنه الذي أمضى أكثر من عام يبحث عن وظيفة رغم مؤهله الجامعي!.
يهمني في هذه المساحة القلية المتاحة الاتجاه إلى اقتراح الحلول، وهذا ما نحتاجه، وهذا دور الصحافة، فكلنا قلقون ويزعجنا بقاء أبنائنا وبناتنا بدون عمل، بالذات من تعبنا وأنفقنا الكثير لتأهيلهم وإعدادهم للحياة.
أمام هذه المخاوف ربما نحتاج برنامج لـ(تدخل الحكومة) القوي لاستيعاب البطالة عبر برنامج لتمويل التوظيف في الجمعيات والمؤسسات الخيرية غير الربحية.
الهدف الأساسي للبرنامج تقليص البطالة إلى النصف في السنوات الخمس المقبلة، فانتظار 10 عشر سنوات لتقليل البطالة إلى 7 % كماً مستهدف في (رؤية المملكة 2030)، يحمل مخاطر ربما لم نتوقعها أو لم تكن في حسبان من وضعوا الأرقام من المستشارين الذين يرون الواقع كأرقام، وينسون أن البشر تتجاذبهم المتغيرات وتؤثر عليهم فورت التطلعات واستلهام النموذج، وتخدعهم تلاعبات وأكاذيب التواصل الاجتماعي.
تقول تتدخل الحكومة؟
نعم، ولكنه (التدخل الذكي) الذي يستهدف عدة جبهات ويحقق رفع القيمة المضافة للإنفاق الحكومي، ولن نجد أفضل من استخدام التوظيف للعاطلين كأداة لتمويل الجمعيات غير الربحية، فهذا يحقق مكاسب عديدة، لنا ولاقتصادنا. الذي نتحدث عنه ونطالب به هو: اعتماد مبلغ سنوي ثابت في الميزانية العامة للدولة قدره (20) عشرون ملياراً أو أكثر يخصص للقطاع الثالث، بكل أشكاله، لتمويل عدد محدد من الوظائف ويمكن أن يكون البرنامج فرع من وظائف الخدمة المدنية، أو أيّ شكل آخر يضمن الحد الأدنى الضروري من الحوكمة حتى يحقق هذا البرنامج أهدافه.
توفير الموارد البشرية للجمعيات غير الربحية، مشروع تنمية وبناء لإمكانات القطاع الثالث، ونحن أعدنا تسمية هذا القطاع بـ (التنمية الاجتماعية)، وهو أحد المسارات للخروج من الرعوية.
هذا القطاع الآن يتوسع كقطاع خدمات نوعية تخصصية، والجمعيات التخصصية التي تعمل على التنمية والتمكين تنمو كل يوم، ودعمها لا يقل أهمية عن دعم المصانع أو المزارع، فالقروض والإعانات للجمعيات الخيرية ربما منافعها وأثرها التنموي، في حقبة التحوّل الذي نستهدفها، أهم ويفترض أن يوضع في أولويات الإنفاق الحكومي، فالمؤسسات الخيرية أثرها متعدد ومتعدي ويدوِّر الإنفاق ويوسع أثره، أكثر مما تفعل المنشآت التجارية الربحية.
من مكاسب هذا البرنامج، إعطاء الفرصة للعاطلين لاكتساب الخبرة العملية وتعلم مهارات جديدة والاستفادة من برامج التدريب والتأهيل التي توفرها الجمعيات. والأهم في نظري الاستفادة التي يكسبها الشباب من تجربة القيادات القائمة على الجمعيات والمؤسسات غير الربحية، فأغلبها يقوم عليها رجال دولة وقيادات نسائية ناجحة وعصامية، وهذا يجعلها مؤسسات للتنشئة الإدارية الوطنية، وهذه من المكاسب الممتدة.
أيضاً مثل هذا البرنامج يقدم (المكاسب الحضارية والإنسانية) التي تعزيز قيمة العمل وبناء الشخصية وتحقيق الذات، وهذا أفضل من دعم العاطلين وهم في بيوتهم ينتظرون الوظيفة.
نحتاج مشروع التمويل هذا بعد ارتفاع عدد الجمعيات والمؤسسات غير الربحية والتي تتجاوز الآن الألف، وهذه تحتاج التمويل المستدام، والقطاع الخاص لن يستطيع دعمها وتمويلها في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل. أيضاً لا توجد لدينا (حوافز ضريبية) لكي يدعم القطاع الخاص الجمعيات الخيرية.
علينا أن نتذكر أننا نواجه تحديات جديدة، وهي ثمرة النجاح، والحمد لله أننا مجتمع ظل يواجه أزمات نجاح، ومنها استمرار ارتفاع النمو السكاني إذ نأتي في الموقع الثاني في العالم. كذلك نجحنا في زيادة عمر الإنسان إلى 77 سنة، وهذا النجاح يولد تحدياً جديداً، فهو يعني توسع الشريحة العمرية الباحثة عن العمل. المجتمعات التي لديها رصيدها العالي من الشباب هي تملك الثروة الحقيقية، فهؤلاء هم قوة البناء والإنتاج.