محمد آل الشيخ
كتبت عن هذا الموضوع مرات وما زلت أعتقد أنه ضرورة ملحة لا مناص من تطبيقها، وأعني هنا (التجنيد الإجباري) أو ما يسمى في بعض الدول خدمة العلم. المملكة دولة مترامية الأطراف، حباها الله بثروات بترولية وغازية ومعدنية ضخمة، وإليها يتجه المسلمون في صلواتهم، ويحج إليها من استطاع إلى الحج سبيلاً، وموقعها يعد موقعًا إستراتيجيًا بين الشرق والغرب؛ لذلك فهي مطمع للكثير من دول العالم على الدوام. مسؤولية حمايتها والدفاع عن ترابها ضرورة مناطة بنا، وموكولة إلينا، وأي تساهل أو تفريط بذلك، هو تفريط بوجودنا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
لهذا كله يجب أن نبذل الأسباب والوسائل التي من شأنها أن ترقى بنا إلى مستوى هذه المسؤوليات، وأهمها الارتقاء بقدراتنا الدفاعية العسكرية بالقدر الذي يمكننا من الذود عن كل شبر من ترابها. فنحن منذ عبدالعزيز وحتى سلمان بن عبدالعزيز أولينا الحصول على الأسلحة المتقدمة والحديثة بمختلف تنوعاتها جل اهتمامنا، ما جعل بلادنا من حيث التجهيزات العسكرية المتقدمة في مقدمة دول المنطقة، إلا أن هناك العامل (البشري) ما زال من حيث العدد أقل مما يجب أن يكون، وفي تقديري أن (التجنيد الإجباري) للشباب هو فعلاً ما ينقصنا، لا سيما والأخطار الحقيقية تحيط بنا من كل جانب، الأمر الذي يجعل وجود احتياطي من الشباب السعوديين الجاهزين لمواجهة الأخطار فيما لو طرأت أحداث لم نتوقعها أمر في غاية الأهمية؛ ولا أدري ما السبب الذي جعلنا في الماضي وما نزال لا نكترث بهذا الشأن الدفاعي الاحتياطي المهم.
صحيح أن عسكرة المجتمع قد يستأثر بتكاليف مالية ضخمة، وصحيح أيضًا أن الجمع بين العسكرة والتنمية الاقتصادية معادلة صعبة التحقيق، وصحيح كذلك أن المجتمعات التي تطغى عليها العسكرة لم تحقق لمجتمعاتها الرفاه المنشود، إلا أن هذه التحفظات، وخصوصًا معادلة الجمع بين العسكرة والتنمية رغم صعوبتها ليست مستحيلة. أعرف أن كثيرًا من الدول المتقدمة تترك التجنيد خيارًا تطوعيًا وليس إجباريًا، إلا أن ظروف تلك الدول سواء من حيث كثافة السكان أو عدم وجود أخطار محدقة تختلف عن ظروفنا، فمنذ أن أسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هذا الوطن الشامخ، ومملكتنا في صراع دائم مع الطامعين وتاريخنا القريب يشهد بذلك، ولعل آخرهم تركيا وإيران اللذين لا يخفيان أطماعهما في بلادنا علنًا وعلى رؤوس الأشهاد.
أضف إلى كل ذلك الإيجابيات الجانبية التي تجنيها المجتمعات من التجنيد الاجباري، وبالذات فيما يتعلق بصناعة الإنسان الجاد، وتدريب الشباب على الانضباطية والخشونة الإيجابية، وتحسين سلوكه، والنأي به عن الترف والميوعه، والأهم من كل ذلك غرس الشعور بالولاء للأرض وحب تراب الوطن، خاصة إذا كانت برامج فترة التدريب هذه مصممة بعناية فائقة من كل جوانبها بالشكل الذي يجعل الشاب الملتحق بها إنسانًا مصقولاً ذا بنية جسمية سليمة، وثقافة وطنية بناءة، قادرة على تحمل المشاق والصعوبات؛ كما أن برامج مثل هذه الفترات لا تتوقف على استعمال السلاح فقط، وإنما تشمل التدريبات الأولية على الدفاعات المدنية والإنقاذ متى ما احتاج الوطن إلى ذلك.
وختامًا، وهو نقطة في غاية الأهمية، يعد كثير من المراقبين الإستراتيجيين عدد جنود الاحتياط الذين توفرهم مثل هذه الدورات بمنزلة خط الدفاع الأخير لقوتنا العسكرية من شأنها تكريس هيبة الوطن وكبح جماح كل الطامعين فيه.
إلى اللقاء