د. خيرية السقاف
حفلت المرحلة الراهنة في سنيها القليلة بكثير من محركات مؤثرة في تركيبة المجتمع, ذات قدرة فاعلة في تغيير ثقافة الأفراد العامة نحو أدوارهم, على مستويين هما الشخصي, والجمعي., ولعل مفهوميْ «الشراكة النفعية»_ تحديدا المادية_, والاستثمار الذاتي, كانا ينحصران لدى العامة في حدود شراكتهم مع أفراد أسرهم, وإن تعدت فإلى خاصة أصدقائهم, حين يرغب الفرد في أن يبتدئ مشروعا تجاريا يستثمر فيه ماله, أو ينمي به دخله فينفرد بمشروعه, وإن قصر فبإمداد شراكة أحد أفراد أسرته, أو صديقه, بينما الاستثمار الذاتي لم يكن مطروحا في قائمة أفكار الفرد بحيث تتمحور في خططه الخاصة بمعناه الواسع, والمتعدد المجالات. إذ تقتصر على التاجر, ورجل المال, أما عامة الأفراد فلم يعنوا كثيرا بالاستثمار المادي, وإنما غلب على هؤلاء العامة سلوك الاستهلاك, وعادة الاعتماد على موارد الوالدين, أو دخل العمل وإن كان يسيرا حين يبدأ الفرد عمله والذي كان إلى هذه المرحلة ينحصر في انتظار وظيفة حكومية, وقف مئات بل ألوف الأفراد في انتظارها, حتى بلغ بعضهم, وبعضهن من العمر عقودا ولم تسنح لهم أعداد المتقدمين للوظيفة الحكومية مكانا, ما زاد من البطالة, والاعتماد على مدخول الأصول, بينما فكرة الشراكة المجتمعية بالانخراط ذاتيا في مشاريع «الاستثمار» على اختلاف نوعها, وحجمها, ومكانها, حين طرأ المصطلح بقوة في هذه المرحلة أخذ بالناس كل الناس على مختلف فئاتهم, وأعمارهم للتفكير فيه, وللاستفادة منه, ولخوض غماره, ولم يقف الأمر عند هذا بل تخطاه إلى سعة مفهوم الشراكة والاستثمار بسعة المجتمع, فبات الأفراد جميعهم ينزلون ولو بأفكارهم, وبأحلامهم ساحة التنافس.. وإثبات الذات, واستحلاب القدرات, والمهارات,..
لم يعد الفرد كبيرا وشابا يخضع لفكرة الاعتماد على الأهل, أو تجاهل ما فيه من قدرات, بل تعرف الواحد نفسَه, وأخذ يقلب في قدراته, ويستكشف إمكاناته, لينخرط في ميدان التنافسية تعلما, وعلما, ومعرفة, وخبرات, وأفكارا, وتلمَّس ذاته فإذا هي زاخرة, وإذا المجتمع بكل مؤسساته ميدان للاستثمار بكل هذا العتاد الذي يملكه الفرد, وبكل الذي تتيحه المشاريع المتاحة من حوله.
وإذا به فرد في جماعة تتكون منه عصبة الانتماء، وتتشكل به عجينة النماء, وتسير به دواليب السير..
ولعل في الإقبال على شراكة كل الأفراد في أكبر مؤسسة، تمثل الكيان الاقتصادي الأكبر، والأفخم في الوطن «أرامكو» للشراكة في أسهمها من جميع أفراد المجتمع بفئاتهم العمرية, ومستويات دخولهم المالية لهو الدليل على نمو تفكير الأفراد نحو الإحساس بمعنى أن يكون الفرد واحدا في قافلة التفاعل, والشراكة, والاستثمار على المستوى الفردي, والمجتمعي العام.
والمستقبل سيكون خير شاهد, وأول دليل على ما سيثمر هذا الاستثمار وما ستطرح هذه الشراكة من تقدم, ومنجزات فردية, ومجتمعية لهذا الوطن.