اعتنت الدولة باهتمام حكيم بالأماكن الأثرية والتراثية ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.. وقبل أشهر تصدى أمر سامٍ كريم لبعض الخطوات غير المحسوبة اتجاه أماكن تراثية مهمة كادت أن تزال وتصبح أثراً بعد عين.. كما صدر توجيه كريم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع -حفظه الله- بترميم قصر الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود (قصر الشمسية) بالرياض على نفقته الخاصة في دلاله على مدى اهتمام وعناية ولاة الأمر بتلك الأماكن التراثية وما يتعلق بها مقدرين لها القيمة الحضارية والثقافية التي تمتلكها.
وفي رياضنا الحبيب وبالتحديد أحياؤها الشعبية وبرفقة بعض الزملاء المهتمين بالمحتوى التاريخي والثقافي لتلك الأحياء تصادفنا شواهد أطلال الزمن الجميل شاخصة من عمران وأسواق وطرقات نجوب أنحاءها ونستمتع بمشاهدات ما تبقى منها ونقف عليها ونسجل ملاحظاتنا ونستعيد ذكرياتنا معها وتعود في تلك اللحظات مشاعرنا التي غادرناها في سن مبكرة حتى كاد الزمن أن يدفنها تحت ركام سنينه.. وبعض الأماكن نعاود زيارتها دون ملل رغم تكرار الزيارة لها لتعصف بذكرياتنا وتعطف بها إلى زمانها الجميل وبساطته.
ومما يعكر صفوة مناخنا السياحي أثناء تجوالنا ما يشاهد من تشويه بصري لتلك المواقع التراثية والتعدي عليها وتجريدها من محتواها إما يكون بسلب محتواها كالأبواب والشبابيك وغيرها أو بإهمالها حتى تتعرض للتلف، وبتالي تفقد قيمتها وجمالها.
أسواقنا الشعبية ذات الطابع التراثي قد تكون ملجأ ومقصد للعابثين بتلك الأماكن ليعرضوا فيها بضاعتهم المسلوبة وهي بحاجة لرقابة صارمة على ما يعرض فيها من محتوى ومعرفة مصدره، وخاصة بأن هناك نوادر أثرية وتراثية تجدها في أيادي أشخاص حديثي السن لا أعتقد بأنهم يعرفون قيمتها الحقيقية وتباع هناك بأبخس الأثمان.
هؤلاء العابثون لا يقدرون القيمة المعنوية لما بين أيديهم وكل همهم هي القيمة المادية.. وفي الحقيقة إن القيمة المعنوية لتلك الأثريات لا تقدر بالمال وخاصة لمن يعرفها جيداً.
كما أن بقاء تلك الأثريات في مكانها الذي صنعت من أجله يجعلها أكثر جمالاً وأكثر قيمة من الأماكن التي ستذهب إليها لتعرض فيها كتحفة تراثية. كما أنها بحاجه لرفع الوعي المجتمعي تجاه أهمية التراث وطرق المحافظة عليه للحد من انتشار ذلك العبث المشوه، وحتى لا يصل لمرحلة الظاهرة وذلك بتكثيف البرامج التوعوية التي تعنى بالتراث وأهميته بمشاركة مؤسسات المجتمع ذات العلاقة التوعوية لتصل رسالتهم لجميع شرائح المجتمع ولينعكس مفهوم تلك البرامج عليها وخاصة ملاك تلك الأماكن التراثية ليقوموا بدورهم من خلال ترميمها والاعتناء بها عناية تليق بأهميتها.
إن تلك الأماكن ليست بقايا فترة زمنية قاسية رحلت عنا بعيداً بضنكها المعيشي.. هي في الحقيقة تظهر لنا مدى العزيمة والكفاح التي يملكها إنسان زمانها وكيفية تأقلمه مع الظروف البيئية الصعبة رغم بساطة الحياة في أدواتها وكيف استطاعوا تطويعها ليخرجوا لنا ما نشاهده من الجمال العمراني من مساكنهم وطرقاتهم وأسواقهم ومحتواها ليوافق معيشتهم وتعجب من صمودها حتى وقتنا الحاضر.
إن ذلك الإنسان الكادح يستحق منا الإشادة بدوره في تنمية حضارتنا وثقافتنا والتقدير لشخصه وتقدير قيمة ما تركه لنا من إرث تاريخي حضاري وثقافي وذلك بالمحافظة عليه ولنتعلم منه بوح الحياة في زمانه ولتبقى تلك الأماكن كالنافذة المفتوحة تطل من خلالها الأجيال على ماضي الزمن الجميل، ماضٍ لا يعرف إنسانه المستحيل.